التنوع الديني يعود إلى واجهة السياسة المعاصرة

تدرس مارينا فايسباند علم النفس وتتولى منصب المديرة التنفيذية لحزب القراصنة على صعيد ألمانيا، وهي يهودية متدينة. مارينا فايسباند، التي تبلغ من العمر 25 سنة تعتبر الدين والتدين أمرا أساسيا وضروريا في حياتها، حيث أنها تحرص على الصلاة كل يوم سبت في الكنيس اليهودي. لكن الغريب في الأمر هو أنها في الحقيقة لم تترعرع في محيط متدين على الإطلاق، فارتباطها الوثيق بالديانة اليهودية لم يأت إلا بعد هجرتها إلى ألمانيا مع عائلتها، قادمة من مدينة كييف الأوكرانية. 

جيل جديد من الساسة

Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:  مارينا فايسباند تدير شؤون حزب القراصنة الألماني وتفتخر بالانفتاح الديني الذي بدأت تعرفه ألمانيا فايسباند ليست الناشطة السياسية الوحيدة التي تهتم بممارسة الشعائر الدينية وتواظب على تمثيل دينها في الحقل السياسي في ألمانيا. هازرت كارشوبان، سيدة أخرى منخرطة في العمل السياسي، وهي عضو في حزب الخضر وتعمل في البرلمان الجهوي في مدينة دوسلدورف الألمانية. كارشوبان التي ترتدي الحجاب، تحاول من خلال نشاطها في اللجنة الخاصة بأمور المسلمين داخل الحزب أن تنهض بأمور المسلمين كأقلية دينية في ألمانيا. كارشوبان، البالغة من العمر 32 سنة، تعلل انضمامها لحزب الخضر بالأهمية الكبيرة التي يعطيها هذا الحزب لأمور الأقليات. و لكنها في نفس الوقت تؤكد أن انخراطها في هذا الحزب له علاقة أولا وقبل كل شيء بالبرنامج العام والسياسة المتبعة في هذا الحزب: "موضوع الدين ليس هو الموضوع الرئيسي للحزب، لهذا فإن عملي داخل هذا الحزب مبني بالدرجة الأولى على قناعاتي السياسية" Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:  هازرت كاراشوبان تنتمي إلى حزب الخضر الأالماني المعروف باهتمامه بسياسة الأقليات

 

يبدو أن كلا السيدتين على اختلاف انتمائهما الديني والعرقي، إلا أن لهما قاسما مشتركا يتمثل في اهتمامهما الخاص بالتدين والاعتقاد. فهل هذا هو الجيل الجديد من الساسة الذين سيغيرون المجتمعات الحديثة؟

عودة الدين إلى الساحة السياسية أصبح أمرا لا يمكن تجاوزه أو المرور عليه مرور الكرام. فبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وحرب العراق وأفغانستان، أصبحت وسائل الإعلام أكثر اهتماما بالتطور والتنوع الديني. وهناك أمثلة أخرى كثيرة تكرس هذا التوجه حيث أن أنشطة الفاتيكان أو تصريحات الدالاي لاما، أصبحت تحظى باهتمام كبير. علاوة على ذلك، عرف المشهد الديني - خاصة في أوروبا-تحولات كبيرة بحكم العولمة والهجرة. فالمهاجرون الذين قدموا إلى ألمانيا على سبيل المثال، سواء منهم اللاجئين أو العمال المستقطبين من شتى الدول، بما في ذلك دول عربية كالمغرب ومصر، أثروا من خلال هوياتهم وعرقياتهم المختلفة على التشكيلة البشرية في ألمانيا ودول أخرى. وبهذا أصبح التنوع الديني أمرا قائما بذاته ويجب التعامل معه بعقلانية وتفهم.

 

التنوع الثقافي والديني كنز يجب الاستفادة منه

في المجال الاقتصادي يعتبر التنوع الثقافي والعرقي والديني إثراء وقيمة مضافة يجب استغلالها من أجل الحفاظ على التنافسية داخل الأسواق العالمية والنهوض بالاقتصاد المحلي.هذا بالنسبة للاقتصاد ، لكن كيف هو الوضع في المجال السياسي: :" أظن أننا في الجيل القادم من السياسيين بحاجة لكل مكونات المجتمع. نحن بحاجة إلى فنانين، وأناس ملحدين وآخرين متدينين". تقول فايسباند التي تتمنى في المستقبل من السياسيين أن يعترفوا بانتماءاتهم الدينية والعرقية، كما أن على السياسيين الآخرين وجميع أطراف المجتمع احترام هذه الانتماءات والتوجهات: " أريد أن أكون سياسية قادرة على أن أقول بكل صراحة وانفتاح أنا يهودية". فايسباند، جد فرحة أنها تستطيع حاليا البوح بذلك دون تحفظ. هذا مكتسب تفخر به كناشطة سياسية من أصل يهودي في ألمانيا.

 الممارسة الدينية على جدول أعمال العديد من السياسيين

لكن خير مثال على الصلة الوثيقة للدين بالسياسة هي الأحزاب المحافظة في ألمانيا، مثل الحزب الديمقراطي المسيحي أو الحزب الاجتماعي المسيحي. هذان الحزبان لهما مرجعية دينية و يضمان لجانا تهتم بالشؤون الدينية من أجل الحفاظ على التراث الديني المسيحي. والكثير ممن ينتمي إلى هذين الحزبين، سواء منهم الكاثوليك أو البروتستانتيين، يحرصون على ممارسة دينهم. أوليفر فيتكه، الأمين العام للحزب الديمقراطي المسيحي  لولاية شمال الراين ويستفاليا، يؤكد هذه العلاقة الوثيقة بين الممارسة الدينية و الانتماء الحزبي: "سياسة الحزب المسيحي الديمقراطي مبنية بالدرجة الأولى على تصور للإنسانية نابع من الديانة المسيحية"، وهكذا يحرص فيتكه في سياسته على الحفاظ والاستناد إلى المبادئ والقيم الدينية التي تنادي بها الديانة المسيحية. فيتكه، يزور الكنيسة بصفة منتظمة و يحرص على تربية ابنه وفقا للتعاليم المسيحية. لكن هذا لا يعني أن فيتكه أو الحزب المسيحي الديمقراطي لا يهتم بشؤون الأقليات والمهاجرين داخل الحزب. فقد كان فيتكه من المؤسسين والناشطين الفاعلين في المنتدى الألماني التركي، الذي أسسه الحزب منذ 10 سنوات من أجل مناقشة قضايا الأتراك كأقلية مهمة في ألمانيا.

 

الاهتمام بالأقليات الدينية ضرورة ملحة

Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:  يوخن أوت هو نائب رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي عن ولاية شمال راين وستفاليا لاينفى أهمية الدين في الحياة السياسية أما الحزب الديمقراطي الاجتماعي، والذي يعتبر من الأحزاب الكبرى في ألمانيا وكان دائما يحظى بثقة العديد من المهاجرين، فيضم أيضا لجانا تعنى بالشؤون الدينية. مثل لجنة المسيحيين والمسيحيات وكذا اللجنة الخاصة بشؤون المهاجرين، التي تسعى إلى دمج المهاجرين في المجتمع الألماني على اختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية. هذا ما يؤكده يوخن أوته نائب رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ولاية شمال الراين ويستفاليا: "خاصة عندما يتعلق الأمر بالشؤون الأخلاقية والتربوية يلعب التفكير الديني دورا مهما، حيث أن هناك العديد من القضايا والحقول السياسية التي تستند بشكل أو بآخر على ركائز ومراجع دينية." وفي هذا الإطار تعتبر السياسة الاجتماعية والتنموية وكذلك الاقتصادية من أهم السياسات التي تستند على أفكار ومعتقدات دينية.

وهكذا، فقد أصبح لمعظم الأحزاب في ألمانيا لجان مخصصة للعناية بالشؤون الدينية سواء منها الأقليات الدينية أو الديانات السائدة. إلا أن حزب الخضر الألماني يبقى أكثر تطورا في هذا المجال، حيث تعتبر سياسة الأقليات من الركائز الأساسية التي يقوم الحزب عليها. إلا أنه بالرغم من  اختلاف الاستراتيجيات والسياسات المتبعة من طرف الأحزاب، يبقى هدفها الأسمى هو نشر المساواة والاحترام  بين الأديان وتشجيع حرية الاعتقاد وتعدد الهويات. كلها قيم يضمنها الدستور الألماني وتسعى السياسة إلى تطبيقها.

 

هومل أولريكه/أمين بنضريف

مراجعة: عبد الرحمن عثمان

 

 

Leave a Reply