التعرف على الوجوه

التعرف على الوجوه

تاريخ النشر: الأربعاء 16 مايو 2012

تبدأ القصة عام 2005 حين يلتقي "آجي جانساري" على نحو عابر بمناسبة زفافه مع زوجته في أورلاندو بأميركا بالسيدة ستيفاني في مدخل الحديقة العامة، ثم تمضي الأيام ليعود إلى المدينة بعد سنتين ويدخل محل بيع حلويات، وحين يلتقي بصره ببصر المحاسبة على الصندوق يقول لزوجته إنها المرأة التي رأيناها يوم زفافنا في الحديقة قبل عامين! تنظر إليه زوجته بنوع من الاستغراب ولا تصدق ما يقول.

آخر من علم بالموهبة الفائقة التي يمتلكها هو صاحبها آجي؛ فقد زار أخاه آشوك جانساري الذي يعمل في متحف لندن العلمي في الأبحاث النفسية العصبية ليساعده في بعض أبحاثه التي يعكف عليها، هناك يتذكر تلك النوبة العجيبة من التذكر في الزيارة المزدوجة لفلوريدا وأورلاندو.

الباحث آشوك كرّس جهده لاكتشاف البشر الذين يتمتعون بهذه الموهبة التي يطلق عليها "قدرة التعرف الفائقة" Super Recognizer ولفترة ثلاثة أشهر كان يبحث عن أولئك الذين يملكون هذه الموهبة المميزة بتذكر أي وجه على الإطلاق، ولو رأوه لفترة قصيرة، في مكان ما، في حديقة أو في قطار أو في مؤتمر أو متجر... ولدهشته فقد عرف أن أخاه آجي من هذه المجموعة.

في المرحلة الأولى عرض عليه الصور العادية لشخصيات مشهورة في السياسة أو الفن مثل كلينتون أو توم هانكس، فعرفهم للفور بدون مشقة.

جاءت التجربة الثانية من صور "أبيض -أسود" للعديد من الناس، يراها للوهلة الأولى، ثم تخلط بكم كبير من صور شتى ويقترح عليه سحب الصور التي رآها سابقاً لمرة واحدة.

وفي نهاية الاختبار سقط كثيرون في التجربة حيث اختلطت عليهم الصور ولم يستطيعوا التمييز. ثم دخلت التجربة مرحلة أخرى بقطع الصورة عند الحذاء أو الذقن أو الجبهة وعرضها عليهم لتمييزها. كان الاختبار هذه المرة أشق وأصعب، بحيث لم يستطيع متابعة الاختبار إلا قليلون جداً.

وفي النهاية أجاب تقريباً المجربون بشكل صحيح على حوالي سبعين بالمائة من الصور المعروضة. آجي قفز بالرقم الصائب إلى 98 في المئة.

من أصل 725 إنساناً خضع للتجربة نجح سبعة فقط في التعرف على الوجوه بسرعة، ولو كانت تعود لفترة أسبق ولو كانت "أسود -أبيض".

من هذه التجارب خرج فريق البحث (العصبي النفسي) بأن مثل هذه القدرة الفائقة يتمتع بها واحد بالمائة من جنس البشر، فيتذكرون الصور والأسماء والتواريخ. لكن ما هو السر خلف هذه القدرة الفائقة؟

لم يستطيع الباحث آشوك تحديد سرها، ويظن أن السبب خلفها هو ما يسمى في علم الجشتالت، "الرؤية الإجمالية الشمولية" بدون التركيز على أجزاء محددة من الوجه كالذقن والحاجب والشفة والأذن.

علم نفس الجشتالت هو أحد قفزات علم النفس في مدارس متعددة من علم النفس التحليلي والسلوكي والإنساني، تلك التي دشنها فرويد وبافلوف وسكينر وأبراهام ماسلو وفيكتور فرانكل.

وبالمقابل هناك لون من "عمى تمييز الوجوه" قد يجتمع من أصيب به مع إنسان، ثم يراه من جديد فيظنه رجلاً آخر، كما يروي آشوك جنساري أن هناك من رآه ثم ظن أنه الموسيقي البريطاني جورج ميشيل، بسبب شكل لحيته وأقراط من ذهب في أذنيه.

وعلى العموم يتمتع معظم البشر بذاكرة معتدلة في الاهتداء إلى الوجوه التي رأوها، بين عمى الاهتداء وتفوق التعرف الفذ.

Leave a Reply