الباحثون عن الرئاسة

يتساءل المرء لماذا يختار بعض الناس أن يقضى جزءا كبيرا من حياتهم وجهدهم من أجل الوصول إلى منصب ما سواء كان رئاسة الجمهورية أو غيرها. والحقيقة أن هناك ثلاث نظريات كبرى فى علم النفس السياسى للإجابة عن هذا السؤال، وكأنها تصنيف لثلاثة أنواع من الباحثين عن المناصب السياسية.

 

النظرية الأولى تقول إن الباحث عن الرئاسة هو باحث عن «المَريسة» أى السيطرة على الآخرين. فهى شهوة مثلها مثل شهوة المال والمكانة والشهرة. وأصل هذه النظرية تكمن فى نظرة سلبية للإنسان قائمة على نزعته نحو الأنانية وحب الذات والسعى لإرضائها. وتعود جذور هذه الفلسفة إلى سانت أوجستين، ونيكولا ماكيافيليى، وتوماس هوبز والذين وصفوا البشر بأنهم ورثوا آفات الاختيال والفخر والنزعة للسيطرة (libido domin).

 

ويقول علماء النفس إن البعض يجد نفسه فى حالة أشبه بعدم التوازن النفسى لأنه ليس فى قمة هرم السلطة فى مؤسسته أو قريته أو مدينته أو دولته. وهذه الطائفة من الناس هم الأخطر لأنهم على استعداد لأن ينتهكوا كل المحرمات وصولا إلى السلطة. ولكن الملاحظ أن القضية هنا لا تكون شخصية بقدر ما تعبر عن فعل جماعى فى شكل حزب أو جماعة يقدم كل شخص فيها جزءا من رغبته فى الوصول إلى السلطة فيتحول الحزب إلى أداة لتحقيق طموحات هؤلاء الجماعية، فتنتقل عيوبهم إلى عيوبه فتأتى عبارة شهيرة على لسان منتقدى الحياة الحزبية الأمريكية مثل: «هناك أشخص محترمون فى كل من الحزبين الجمهورى والديمقراطى، لكن الحزبين لا يحظيان بالاحترام».

 

النظرية الثانية، هى أكثر مثالية وتعبر عن حالات قليلة لكنها لا شك موجود وفيه يكون البحث عن السلطة كنوع من «حمل الرسالة». ورواد هذه المدرسة هم إيمانيوال كانط وفولتير وجيمس ماديسون والأكثر ترويجا لهذه النظرية من المعاصرين هو Hans-Hermann Hoppe. والمعنى المقصود هنا أن هناك نزعة للخير تبدو فى سلوك الناس خاصة الناجحين منهم والذين يرون أن نجاحهم الماضى فى مجال ما يدفعهم لأن يقوموا بتعميمه على قطاع أوسع من الناس عبر المنصب السياسى. وعليه فهم يرون أن واجبهم، الذى لم يختاروه لأنفسهم، أن يساعدوا الآخرين على أن تكون حياتهم أفضل، وأن يتركوا اسهاما يذكره لهم التاريخ. قطعا خداع الذات هنا وارد، فهتلر ولينين وفرانكو كانوا يفكرون بمنطق السامرى حين قال: «بصرت بما لم يبصروا» انتهاء بـ«وكذلك سولت لى نفسى».

 

النظرية الثالثة، أقل اهتماما بنزعة الإنسان نحو الخير أو الشر، وإنما نزعته نحو تحقيق ذاته هو شخصيا ورواد هذه المدرسة بامتياز هم عدد من علماء النفس مثل أدلر، ويونج، وماسلو ويؤكد هذا الأخير أن السعى للسلطة هو جزء من رحلة إشباع حاجات الإنسان التى تبدأ بحاجاته الأساسية التى يشترك فيها مع غيره من الدواب مثل الحاجة للأكل والمأوى، ثم الحاجات النفسية مثل الحاجة للشعور بالأمان المادى والنفسى والاجتماعى، ثم الحاجة للانتماء لمجموعة من البشر فى صورة صداقة ومجتمع وصحبة، ثم الحاجة للتقدير والرغبة فى تحقيق مكانة ضمن المجموعة التى ينتمى إليها، ثم الرغبة فى توسيع دائرة هذه المجموعة ليصبح الإنسان معروفا على أوسع نطاق ممكن سواء جغرافيا (أى يكون معروفا فى دوائر عالمية) أو تاريخيا (أى أن تظل ذكراه معروفة لمن يأتى بعده أسوة بمن يرى من الأموات الذين خلدهم التاريخ). ولدى البعض اعتقاد أن المدخل المناسب لتحقيق ذلك هو المناصب العليا فى الدولة.

 

ويبدو أن دارسى التاريخ والسياسة من كثرة ما قرأوا وعرفوا عن هذه الأمور أصبحوا الأكثر عزوفا عنها.

Leave a Reply