الأشرار يحكمون

الثمن الذي يدفعه الطيبون، لقاء لامبالاتهم، هو أن يحكمهم الأشرار.. هكذا شرح أفلاطون حال الذين ينصرفون إلى اللامبالاة وكأن أوطانهم لا تعنيهم وشوارعهم ليست لهم، ومدارسهم ليست لأبنائهم، ومصائرهم يتحكم بها آخرون.

اللامبالاة، وحسب علم النفس، حالة سلوكية تعني أن يتصرف المرء بلا اهتمام في شؤون حياته أو حتى الأحداث العامة، كالسياسة، حتى وإن كان هذا في غير صالحه. وهذا طبعاً، بالتوازي مع عدم توافر إرادة الفعل وعدم القدرة على الاهتمام بشأن النتائج، فهو لا ينتخب ولا يقول رأياً، وليس له صوت، وكذلك لا يشجع الحقيقة. وأحياناً لشدة لامبالاته، لا يقف في صفها، أو أنه، ولشدة خوفه، يقف ضدها.

إن أبرز أسباب موت الديمقراطية، اللامبالاة السياسية التي هي حالة يمكن تقديم نماذج حية عنها في بلداننا، حيث أصبحت مرضاً من عوارضه قمع الأحاسيس والتحفز والإثارة والصمت عن ما يجري، وخاصة عندما يتعلق الأمر برأي أو وجهة نظر، أو إشارة توحي بإيجابية وجود الإنسان إلى جانب أخيه الإنسان، أو أي فعل من شأنه الدلالة على المشاركة في هذا الكون، وعدم لعب دور المتفرج على مسرح الحياة.

كان تلاشي الطبقة المتوسطة في المجتمع من أبرز دلائل اللامبالاة.. فتلك الطبقة هي التي تمسك طرفي التضاد في المجتمع، وتعد همزة الوصل بين الفقراء والأغنياء.. إنها طبقة حيوية مهمة، يقع عليها عبء دفع المجتمع نحو التحرك، إذ يحدوها في ذلك الأمل في الانتقال من وضعها الحالي نحو الالتحاق بالطبقة الأعلى. وقد أدت حالة عدم المبالاة، إلى تخلخل النسيج الاجتماعي.. فتعرضت الطبقة الوسطى بذلك إلى هزات قوية طالت تركيبتها وأوضاعها، ما أدى في النهاية إلى تلاشيها وموتها.

قبل أكثر من ألفي عام، شرح الفيلسوف الإغريقي أفلاطون، نتائج اللامبالاة التي تؤدي إلى حكم الأشرار. وها نحن نلمس بأيدينا، ما حدث من تغيرات جذرية في مجتمعاتنا، حيث نجد أن الأشرار لا يحكمون فقط، بل يتحكمون بمصائر البلاد والعباد. وعلى امتداد الخريطة لا نرى الفقر فقط، بل أيضاً الظلم والتهجير والتخوين، ناهيك عن القتل والتدمير، وكل ما يخطر على البال من شرور، سببها الأبرز، صمتنا ولامبالاتنا وانسحابنا من الحياة، الأمر الذي أدى إلى مجيء الأشرار، ومن ثم قدرتهم على ملء الساحات بصورهم وتماثيلهم.

Leave a Reply