أين «وجدوا» الحياة؟! ريم السعوي

وليم جيمس أستاذ الفلسفة وعلم النفس في جامعة هارفرد في أمريكا، صاحب ''فلسفة الذرائع'' من أشهر مؤلفاته ''مبادئ علم النفس''.. كان وليم رجلا ساخرا، حاضر النكتة سريع البديهة، وكثيرا ما كان يقف وسط تلاميذه يحاضرهم ويشرح لهم أسرار الحياة في الجامعة دون أن تفارق الابتسامة وجهه النحيل الشاحب يوما واحدا.

وكان يحلو له أن يخلط بين الجد والهزل، حتى إن طلابه في الجامعة كانوا يضطرون في كثير من الأحيان إلى التوجه إليه بالسؤال إذا كان الذي يقوله مزحا أم علما أم فكرا جديدا!

ولم يكن بوسع الأستاذ الكبير إلا أن يضحك معهم على نفسه! لكن كثيرة هي تلك اللحظات التي قضاها وحده مع الألم.. في صباه كان يسيطر عليه شعور بالكآبة والحزن، دفعه يوما إلى محاولة الانتحار.. وعندما تقدم به العمر أصيب بضعف في القلب نتيجة للجهد الكبير الذي كان يبذله في عمله.

سألوه يوما: كيف وجدت الحياة؟

فقال: ''إنها أكبر مغامرة، لأنها أعظم تجربة.. أما بالنسبة لي فقد كان كفاحي للتغلب على الآلام التي احتوتني والأمراض التي أصابتني، هو الأساس الذي أقمت عليه فلسفتي.. ومن خلال نظرات الإشفاق والقلق التي كنت أراها في عيني أبي كلما وجدني منكبا على عملي، تعلمت أن القيمة الحقيقية للإنسان لا تظهر فيما يقدمه للناس من فكر وعلم فحسب، إنما أيضا فيما يراه في عيونهم وما يسمعه من أفواههم من حب وتقدير.. وقد أحبني أبي وأحبني تلاميذي، فأحببت الدنيا كلها''.

كيف أجد الحياة؟! سؤال كبير لو سئلت عنه لقلت إنني أجدها في رضا وقوة إيمان جيهان عشماوي!

جيهان عشماوي التي استضافها تركي الدخيل مشكورا في إحدى إضاءاته، مريضة بالسرطان وباحثة في الدعم الثقافي والنفسي لمريض السرطان أثناء مرضها نالت الماجستير. سيدة تشع بالتفاؤل والرضا والدعم النادر ليس فقط لمرضى السرطان، بل مرضى القلوب ومرضى السخط من القدر ومرضى الغفلة ومرضى الطمع ومرضى الفساد ومرضى السرقة.. وما عساي أن أقول أكثر من أشكال الأمراض الأخرى التي لا تشخصها أفضل المستشفيات ولا أمهر الأطباء!

جيهان.. حين أرى عينيها وابتسامتها أكاد أحلف أن لا شيء مهما على هذه البسيطة سوى الرضا واليقين! وأن نعيم الدنيا كله ''يكمن'' فقط فيهما! أكاد أحلف بسبب ابتسامة جيهان وهدوئها أن النعيم لا يكاد يكون بصحة ولا مال ولا ولد ولا ظروف مثالية! كما يكون نعيم الرضا واليقين. كل من حرم الرضا واليقين هو في جحيم قاتل! ولهث مستميت! حتى لو نال كل شيء!

لجيهان برنامج على اليوتيوب بعنوان: أنت مريض بالسرطان.. أنت بخير!

تقوم بتسجيل حلقاتها على اليوتيوب لأنها تحمل على كاهلها - وهي مريضة - مسؤولية انعدام وجود رعاية تثقيفية ونفسية في مستشفيات المملكة لمرضى السرطان. ببساطة رغم المرض لم تكتف بـ''التحلطم'' على تويتر ولم تسب أحدا، فقط تحركت بروح نادرة بإمكاناتها الشخصية!

(صوت الإرادة صوت لا يعلو فوقه أي صوت لأنه الصوت الذي يسمعه كل من في المعمورة، لأنك إذا نطقت وقلت أنا هنا فثق تماما بأنك أنت هنا) هذه العبارة الأخيرة ختم بها المخرج بدر الحمود فيلمه عن الشاب عمار بوقس الذي لا يمكن أن أقول شيئا أكثر مما قاله الفيلم!

Leave a Reply