أورام الذات!!

هذا المرض العضال لا يرد ذكره في معاجم الطب وملفات الأطباء، اللهم الا في عيادات ما يسمى علم النفس الإكلينكي، اذا كان هناك اعتراف عربي بهذا الطب.

ورم الذات داء سايكولوجي لا يشعر به المصاب، وقد يتلذذ به بدلاً من الشعور بالألم، لكن ما ان تتفاقم الحالة حتى يكون الافتراق الأخير عن الواقع وعن العالم بأسره.

وقد يجهل ضحايا هذا الوباء أنه يبدأ تعويضاً عن شعور عميق بالنقص، وانعدام التوازن النفسي، وحين يحاط المصاب بجوقة من مدلكي العواطف والنرجسيات الجريحة تكتمل المأساة، لأن ما يتطلبه ورم الذات هو النقد، سواء أكان من الناس المحيطين بالمريض، أو كان نقداً ذاتياً يمارسه هو من خلال مراجعة الأخطاء ومحاولة الاستدراك.

والمجتمعات التي تكثر فيها عبارات من طراز هل تعرف مع من تتكلم؟ أو من أنت؟ هي مجتمعات استشرى فيها المرض، وأوشك أن يتحول الى وباء، وبالتالي أن تصبح المساحة التي ينتشر فيها هذا الوباء منطقة منكوبة، والمناطق التي توصف بالمنكوبة ليست بسبب زلزال أو حرب أهلية فقط، والحاجة الى الاغاثة، ليست دائماً هي الحاجة الى القمح والأدوية والخيام.. انها أحياناً نفسية بامتياز.

وقد كتب العديد من علماء النفس والاجتماع ومنهم عرب عن ورم الذات، وبالتالي الانكفاء داخل الشرنقة وتغذية الأوهام بأوهام أخرى مضافة، لكن معظم تلك الرسائل لم تصل الى المرسل إليه، ولو أرسلت في عنق حمام زاجل لوصلت، لكن المرسل اليه هو الغائب، أو بمعنى أدق المُغيّب، ولا نستغرب اذا قرأنا لعلماء نفس بمختلف اللغات أن وباء ورم الذات يزدهر في غياب الديمقراطية.. وبالتالي غياب الحوار وتحول من ديالوج مع الآخر الى مونولوج أو تداعيات هذيانية مع النفس.

وحين يقول لك أحدهم بأوداج منتفخة حسب تعبير الجاحظ: هل تعرف من الذي تكلمه؟؟ عليك أن تسترخي على الفور، لأن من يقول ذلك شخص مصاب بورم الذات، ولا يعرف نفسه على الاطلاق، لأنه مسكون باعتقاد خاطئ يحجب عنه كل شيء، وقد ينتهي به الى العمى. واذا أخذت عيّنات من هؤلاء المصابين فإن نتائج الفحص تضحكنا حتى البكاء أو العكس، فالانسان الكبير فعلاً - بمقاييس علمية وانسانية- لا يتورط على الاطلاق بمثل هذا الخطاب الجاهلي، بل يكون متواضعاً ومعتذراً على الدّوام، كي لا تجرح المكانة الموضوعية التي يملكها، ويكرسها له الآخرون.

ان مجتمعات تشتبك مع التاريخ والكون من أجل لقمة عيشها ومأواها، وتخفي نسبة الأمية فيها كما لو أنها عورة، عليها أن تهدأ قليلاً، وتدرك كم هي أزماتها وما تتعرض له هويتها الجريحة وما يسيل على حدودها من لعاب الغزاة.

وهناك ثقافة شبه سرية وشفوية تمارس نفوذها منذ قرون، هي التي تؤدي الى جنون الخلايا النفسية للانسان، أو ما يسميه العلماء الخلايا الزواحفية للدماغ، فأي حوار أو خِوار هذا الذي يبدأ بسؤال من تكون؟؟ وينتهي بجواب من خارج التاريخ وهو هل تعرف مع من تتكلم؟ ( الدستور )

Leave a Reply