يا عزيزي.. كلنا مرضى نفسيون

عالم جديد أصبحنا نعيش فيه، لم يعد ذلك العالم الهادئ المحدود الذي تعرف حدوده. أنماط حياة مختلفة استجدت ومنتجات وأجهزة غيرت حياتنا، وعالم افتراضي مواز أصبح الكثيرون مواطنين فيه، وأحداث سريعة وعاصفة لا تستطيع أن تجد الوقت لتستوعبها. فضائيات ووسائل اتصال بالعالم لم يكن في السابق بالإمكان تخيلها ومعلومات وصور غزيرة. وسط كل هذا لا يستوعب الفرد أين يقف وكيف يتعامل مع هذا العالم الجديد. ألا يصنع كل هذا التغيير في الحياة اضطرابا لدى الإنسان؟ وألم تستجد اضطرابات وأمراض نفسية لم يعرفها ذلك العالم الهادئ في السابق؟ هذه الأسئلة طرحناها على بعض المتخصصين.

د. أمثال الحويلة- رئيس مركز الأسرة للاستشارات النفسية والاجتماعية في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت- قالت إن لكل زمان تغيراته وأمراضه سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو غيرها، وتضيف:

- نحن نؤمن بالتغيير وأنه سنة كونية، وكما يمر الإنسان بمراحل عديدة في حياته كذلك الحياة تمر بمراحل متعددة وتطورات وتغيرات سواء في الثقافة أو الثورة التكنولوجية أو الإعلام أو السياسة أو العلم، فأينما وجد الإنسان وجد التغيير. الآلات تتطور أيضا فالهاتف النقال، على سبيل المثال، كان يسمى هاتف السيارة وكان ثابتا ثم تطور وأصبح نقالا وتغير حجمه وتطبيقاته. والشيء نفسه يقال عن الكومبيوتر الذي كان كبير الحجم وشاشاته عملاقة ثم بدأ يصغر حجمه ويتطور أكثر. ومع كل التغييرات والأحداث المتلاحقة والمتسارعة حول الإنسان فهو يتغير أيضا وينفتح على العالم الذي أصبح قرية واحدة صغيرة بعد أن كان متباعد الأطراف وكان الخبر يصل فيه للشخص بعد فترة عبر الجريدة أو نشرة الأخبار. الآن في لحظة يصل الخبر بالصوت والصورة وبالتالي اختلف تفاعل الشخص مع الحدث الذي كان يتفاعل معه في السابق سمعيا ولكن الآن يتفاعل معه بالبصر أيضا.

 

اضطرابات حديثة

ثم تحدثت د. الحويلة عن إقامة قسم علم النفس في جامعة الكويت- كلية العلوم الاجتماعية- لمؤتمر تحت شعار «علم النفس في عالم متغير» ناقش فيه المختصون جميع التغيرات التي تحدث في العالم وأثرها في سلوك الإنسان وشخصيته وعلاقاته الأسرية وإنتاجيته في العمل. ثم أضافت:

- المشاكل النفسية موجودة منذ القدم ولكن حدتها وشدتها اختلفتا وزادتا مع ظروف العصر وأحداثه الضاغطة. وحتى تصنيف بعض الأمراض في الدليل التشخيصي للاختصاصيين النفسيين في إصداره الخامس أضيف إليه اضطرابات جديدة منها ما يتعلق بإدمان الأجهزة الذكية أو «نيموفوبيا» على سبيل المثال. وبالمناسبة الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي فيها مركز لعلاج إدمان الهواتف الذكية. أمراض نفسية أخرى ظهرت في هذا العصر منها الخوف الذي تسببه الأحداث السياسية والعنف في العالم والشعور بعدم الأمان النفسي والاجتماعي في ظل التغيرات المختلفة سواء الاقتصادية أو السياسية.

 

تعدد الأدوار

د. أماني الشيراوي - رئيس قسم علم النفس في جامعة البحرين - قالت عن أسباب ظهور مشاكل نفسية جديدة في هذا العصر:

- تعددت الأدوار للشخص الواحد في الحياة المعاصرة، بما يخص حياته العملية والاجتماعية سواء كان رجلا أو امرأة، مما وضع عليه مسؤولية وضغطاً كبيرين. فالعمل يتطلب مسايرة العصر في المعلومات حتى يكون له أثر في محيطه وأثر في العالم. وتحديث المهارات أصبح ضرورة ولم يعد من الكماليات كما كان في السابق. أصبح ضروريا للشخص أن يتحلى بمهارات اجتماعية أكثر ليصبح أقدر على حل المشكلات وسرعة اتخاذ القرار والتعامل مع الآخرين. من المهم في عصرنا هذا أن يمتلك الشخص مهارة الموازنة بين عمله وحياته الشخصية لأن الإنسان بحاجة الى الترفيه والجلوس مع أسرته وفي الوقت ذاته تنمية نفسه. كل هذه الأشياء التي يريد تحقيقها سويا تشكل ضغوطا عليه.

اضافت:

- في السابق كنا نعالج أسباب الأمراض والاضطرابات النفسية، ولكن في الوقت الحاضر فإن تركيز علم النفس هو على رفع الكفاءة النفسية للشخص من خلال استخدام مصادر القوة لديه للتكيف مع ضغوطات الحياة، أي يجب أن تكون لديه مناعة مسبقة للتعامل معها.

 

اكتئاب وبائي

د. أحمد عبد الخالق- أستاذ علم النفس في جامعة الإسكندرية- قال انه بتعقد الحياة البشرية والبعد عن الطبيعة ظهرت أمراض جسمية ونفسية لم تكن موجودة في العصور السابقة:

- فيما يخص الاضطرابات والأمراض النفسية والعقلية فقد زادت معدلات الإصابة بها في العقود الأخيرة. من أبرز أمثلتها الاكتئاب حتى أصبح مرضا وبائيا، وبعد سنين قليلة سيبلغ عدد المصابين به 300 مليون شخص في العالم. ونتيجة لذلك يتأثر اقتصاد الدول وتزداد أيام العمل المعطلة وكذلك تعاسة الآدميين. من أسباب هذه المعدلات العالية تكالب الناس على المادة وضعف العلاقات الاجتماعية، وسبب آخر مهم هو تحسن طرق التشخيص الطبية والنفسية وزيادة وعي الناس بهذه الاضطرابات التي من أمثلتها اكتئاب الطفولة واكتئاب المراهقة والتي كان البعض يعتقد في السابق أن هاتين المرحلتين العمريتين لا تصابان باكتئاب.

 

فيسبوك وتويتر

د. شيخة الجنيد - أستاذ علم نفس الطفولة في جامعة البحرين - تحدثت عن تغير كبير دخل حياتنا المعاصرة وهو العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي التي جاءت بمنافعها ولكن بمشاكلها النفسية أيضا:

- كل الدراسات التي تقوم حول مواقع التواصل الاجتماعي والعوالم الافتراضية كانت تركز على الأطفال والمراهقين وتجاهلت الكبار. ولكن الذي يحدث هو أن البعض يسيء استخدامها وبسبب التقوقع على النفس في تلك العوالم فقد انتشر التشاؤم والاكتئاب. بالنسبة للصغار أو المراهقين فإن وجودهم على مواقع التواصل هذه جعلهم عرضة لمشاهدة الأفلام الإباحية أو التحرش الجنسي مما يخلق منهم أشخاصا غير أسوياء. لأهمية هذه المواقع ولأنها تعطي مؤشرا عن شخصية الشخص الموجود عليها فإن بعض الجامعات البريطانية والأميركية تشترط قبول الطالب بإطلاعها على حساباته في فيسبوك وتويتر لتقيمه وتعرف توجهاته.

Leave a Reply