هناك لغط وضبابية كبيران حول مفهوم وطبيعة وجدوى العلاج النفسي بشكل عام. فعندما يكون الحديث عن النفس البشرية في سياق علم النفس والطب النفسي يلقى الحديث اهتماماً وانصاتاً ويلقى شغف المتلقي، لأن الحديث يتناول تشريحاً وتفكيكاً للنفس البشرية وطبيعتها! لكن إن تناول الحديث المتاعب والعلل والأمراض والاضطرابات التي تصيب النفس البشرية، فإننا عادة سنصطدم بالمقاومة والإنكار، بل الرفض لأي جهد أو محاولة علاجية.
ففي الوقت الذي تؤكد فيه كثير من الدراسات أن الأسرة العربية تعاني كغيرها من الأسر في سائر المجتمعات البشرية من مشاكل سوء التوافق الزوجي، والطلاق العاطفي، والتفكك الأسري، والإدمان، والخيانة الزوجية، والعنف الأسري، وغير ذلك من عشرات الظواهر السلوكية السلبية، إلا أن هناك قصورا كبيرا في الاهتمام بالعلاج النفسي والأسري.
إن البيئة الأسرية تمثل العنصر الفعال في التأثير المباشر وغير المباشر على شخصية الفرد، وتكوين اتجاهاته، وبلورة سلوكه داخل المجتمع، كما تساعد الفرد على تنمية وعيه واهتمامه بالبيئة وما يرتبط بها من مشكلات، وإكسابه المهارات والمعارف والاتجاهات الإيجابية نحو مواجهة المشكلات القائمة لتجنب ظهور مشكلات أخرى بقدر الإمكان. ومن الأمور البديهية أن أي خلل في البيئة الأسرية يؤدي إلى عجز هذه البيئة عن أداء وظائفها، وتؤثر على العلاقات والتفاعلات داخل البيئة الأسرية للفرد. لعل البيئة الأسرية السوية تتسم العلاقات بين أفرادها بالنضج والإشباع المتبادل هي أسرة يكون التواصل بين أعضائها صريحاً ومباشراً وواضحاً هي أسرة لديها قواعد ظاهرة وغير ظاهرة والعنف غير مسموح به داخل بناء الأسرة وأسرة تتقبل التغيير والضغط كجزء من الحياة مع وجود أدوار تتفق مع إمكانات الأفراد ووجود توازن أسري يتسم بأنه سوي.
خبراء العلاقات الأسرية يشيرون إلى أن هناك سمات للأسرة السوية تتمثل في أن يتواصل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض، ويشجعون ويساندون ويحترمون، ويثقون ببعضهم البعض، وهم قادرون على اللعب والفكاهة معاً، ويشتركون معاً في المسؤولية، ويعلمون بوضوح الفرق بين الخطأ والصواب، ولديهم عادات وتقاليد أسرية محترمة، ولهم انتماء ديني وحياة روحية مشتركة، ويحترمون الخصوصية، ويقدرون قيمة خدمة الآخرين، ويعترفون باحتياجهم للمساعدة ويطلبونها.
إن هذه السمات تظهر من خلال العلاقات الإيجابية بين أعضائها، وقدرتهم على تحمل المسؤولية ووضوح القواعد، وأهمية وجود قوانين للصواب والخطأ، وكل ذلك يتم من خلال قنوات اتصال جيدة يضع حدودها الأب والأم بمشاركة بقية أعضاء الأسرة، ويستمدونها من خلال ثقافة المجتمع والتنشئة الدينية وفي حالة إغلاق قنوات الاتصال بالبيئة الأسرية. وغياب الحدود والقواعد داخلها يضطر أن يلجأ عضو الأسرة إلى مكان آخر خارج البيئة الأسرية ليجد فيه البديل الذي افتقده، فالأسرة المستقرة هي التي تمتلك القدرة على مواجهة وحل مشاكلها بأسلوب موضوعي، وتتيح لأبنائها التعبير عن مشاعرهم بصراحة وبطريقة مقبولة.
المحرر | khourshied.harfoush@admedia.ae