هل فشل علم النفس الحديث في تقديم حلول لمشكلات العصر؟

أحمد الإدريسي

قبل أن يفاجئ العود السريع للدراسات الثقافية في حقبة الثمانينيات الأكاديميين الساخرين مثل لوري تايلور كان علم النفس هو الهدف المفضل: «إذا كنت تبحث عن المعرفة الواضحة فاسأل أحد علماء النفس». وتمكن تايلور من تدشين مستقبله كعالم نفساني قبل أربعة عقود من الزمن حينما أنجز مادة بحثية اتسمت بالغباء تتحدث عن الارتباط بين الاتصال البصري وتوافق العلاقات الشخصية.
وظل قياس الاتصال البصري يمثل مادة علم النفس الاجتماعي ومصدره الوحيد. وكتب النفساني في جامعة إكسفورد مايكل آرجيل أحد العلماء البارزين في هذا الحقل العلمي، في صحيفة «الجارديان» البريطانية قائلا «عادة ما نميل إلى النظر أكثر لمن نحب من الناس». وبعد أن تمكن من توسيع متغيراته لتشمل الموضوعات التي تلقى حظا من الاهتمام الاجتماعي مثل الترفيه، اكتشف آرجيل مؤخرا أن الاهتمام بممارسة الرياضة عادة ما يبدأ في سن الطفولة حيث تنحصر مصادر التأثير الرئيسية في الوالدين ورفاق الطفولة».
وربما يتساءل المرء: هل تغير شيء يذكر خلال فترة التسعين عاما الماضية منذ أن عبَر اتش جي ويلس عن ازدرائه قائلا «استطاع علم النفس أن يقدم للعالم سببا تافها للدهشة».
إذا كان الأمر كذلك، فلا يزال لدينا سبب كاف للدهشة، إذ لا يزال علم النفس مزدهرا والطلاب يقبلون على دراسته. وفي الوقت الذي تتهافت فيه وسائل الإعلام والعديد من المهنيين على استشارة علم النفس أعلن أحد النفسانيين «من أولوياتنا الاهتمام بصحة المجتمع»، إلا أن هنالك مخاوف من أن يؤدي تمدد علم النفس إلى بعثرته في أطر أخرى تتنوع من الدراسات الثقافية إلى دراسات الجهاز العصبي.
خلال الأربعين عاما الماضية قام علم النفس بمحاولات متكررة لإثراء الميراث السلوكي الفقير للحالات العقلية والسياقات الثقافية. إلا أن كثيرا من تلك المحاولات أخفقت في تكوين العادات الحسابية والاستعارات الآلية التي تعتبر ضرورية لإثارة حالات الروتين المألوفة للفيزياء الإقليدية (نسبة إلى إقليدس) أو علم الأحياء الجزيئية. وتعتبر معايير طريقة «المثير والاستجابة» التي فسرت أخيرا عند فئران المختبر التعيسة، ناقصة على المستوى التصوري لتوضيح الفكر والسلوك الإنساني مع «التَغير الإدراكي» في حقبة الستينيات. وعلى أية حال فقد صرح جيروم برونر وهو أحد رواد هذه المدرسة بأن هذه الثورة استطاعت مرة أخرى أن تنزع جوهر الخبرة الإنسانية في سحرها مع النماذج الكونية في «معالجة المعلومات».
إن عقولنا لا تعمل مثل أجهزة الكمبيوتر. فالذي تستطيع أجهزة الكمبيوتر إنجازه بسهولة تعجز عقولنا عن القيام به، والعكس صحيح. وأن تكون إنسانا فإن ذلك يعني أن تتقاسم قدراتك مع الغير من أجل أن نمنح خبراتنا الجسمانية وتفاعلاتنا الاجتماعية المعنى الحقيقي. وإذا رغبنا في فهم حالة اللاعقلانية في الوجود الإنساني، فإنه يجب علينا استطلاع ميراث التحليل النفسي في الصراعات والتوترات التي تدور في الإطار النفسي، والتي تحاول بدورها في أفضل حالاتها الحصول على شيء من الغموض المنظم وحالات الهروب والمكر التي تغلف تلك الأقاصيص التي نبوح بها لأنفسنا. الشيء الذي سيظل متفردا في النشاط الفردي هو تلك الطرق المجهولة التي تسهم في حالات النجاح والإحباط أو الفشل في أفعالنا ومحاولاتنا في أن نجعل لحياتنا معنى.

Leave a Reply