شهد سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، المحاضرة التي القاها الدكتور ميسرة طاهر، أمين مجلس قسم علم النفس ورئيس لجنة الدراسات العليا النفسية بقسم علم النفس بجامعة الملك عبد العزيز بعنوان “تنمية الحب العائلي”، وذلك بمجلس الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة في قصر البطين في أبوظبي .
حضر المحاضرة سمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية وسمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي وعدد من كبار الشخصيات والوزراء وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الدولة .
في بداية المحاضرة رفع الدكتور ميسرة طاهر الشكر إلى الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد على اتاحة الفرصة لإلقاء محاضرة في مجلس سموه، مشيراً إلى أن محاور محاضرته تركز على الحب الحقيقي وكيف ننميه مع أبنائنا بواسطة تقنيات الحب الاثنتي عشرة، وكيف يمكن التفريق بين أبنائنا وأخطائهم، وهل نستطيع أن نربي بدون أوامر ونواهٍ كثيرة وبدون عتاب؟ وهل الحب بين الزوجين نبتة قابلة للنمو والمرض والموت أحياناً؟ وما أهم التقنيات لتنمية هذا الحب؟ وكيف يمكن توظيف الاختلافات الفطرية بين الزوجين في الجوانب النفسية لزيادة الحب بينهما .
وأوضح أن الكون له نبضات ونبضات الإنسان منسجمة مع نبضات الكون، وتصل نبضات الإنسان إلى 300 هيرتز في الثانية وتزداد إلى 470 هيرتز عند الإصابة بالمرض، ولاحظ العلماء أن للأرض مجالاً مغناطيسياً يتراوح من 1 إلى 30 هيرتز، وهذا التردد يعمل في نطاقه الدماغ البشري، والأبحاث والدراسات أظهرت وجود كتلة داخل مخ الإنسان تتناغم مع هزات الكون، وعلى سبيل المثال لا يوجد في الفضاء هزات مثل الموجودة في الأرض، ما يفسر أن رواد الفضاء كانون عندما يعودون من رحلات الفضاء يشعرون لبعض الوقت بعدم الارتياح إلى أن تم تطوير المركبات الفضائية .
وقال إن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن الكريم أنه جعل الإنسان خليفة في الأرض، والإنسان بطبيعته ضعيف، والسر في ذلك كي تحوينا أسرة حتى نتمكن من حمل الأمانة والمسؤولية، إذا أردنا أن نجعل أبناءنا قادرين على تحمل المسؤولية لا بد أن نربي أجيالنا على الحب العائلي لأنه إذا افتقد أبناؤنا لهذا الحب فإنهم يفقدون أشياء كثيرة، موضحاً أن الدراسات أثبتت أن فقدان الحب يؤدي إلى السلوك العدواني .
وقال ما الذي يطالب به الأبناء آباءهم وأمهاتهم؟ ويجيب بالقول إن الأبناء يطالبون بأمور كثيرة أهمها اثنان: الأول: حب حقيقي لا نرجسي، والحب النرجسي هو حب الأذى والمن، مشيراً إلى خطأ شائع يكمن في أنه ليس كل حب حقيقياً، فكثيرون هم الذين يمنحون غيرهم الحب ولكنه حب لذواتهم، حب مشروط يدوم ما دام المحبوب يلبي ما يريده المحب، حب يلازمه كشف حساب بما قدمه المحب لمحبوبه، وهذا النوع من الحب لا تبدده إلا صور الحب الذي نراه من أمهاتنا في طفولتنا، والسؤال المهم: هل يبقى الآباء والأمهات يمنحون أبناءهم هذا الحب الحقيقي حتى نهاية الحياة، أم أنه يتحول إلى حب نرجسي، أو ما نسميه حب كشف الحساب حين يكبر الأبناء ويشيخ الآباء والأمهات؟
وأضاف من يريد أن يعرف كيف يكون الحب الحقيقي فلن يحتاج لأكثر من مراجعة لبعض مواقف المصطفى عليه الصلاة والسلام مع الصغار والكبار، وسيجد الكثير من الأمثلة ربما أوضحها قصة زيد بن حارثة، وهو طفل تم سبيه وبيعه عبداً في سوق عكاظ وانتهى به المقام في منزل النبي عليه الصلاة والسلام، وحين جاء أبوه وعمه لاسترداده عرضا على النبي عليه الصلاة والسلام أن يدفعوا له فدية ويحرروا زيدا، فرفض النبي عليه الصلاة والسلام الفدية واستبدل بها هذا القول: “فأنا من قد علمتَ، ورأيت صحبتي، فاخترني أو اخترهما، فكان جوابه: ما أنا بالذي يختار عليك أحدا، أنت مني مكان الأب والعم”، والمتتبع لسلوكه عليه الصلاة والسلام مع زيد سيجد أنه لم يقدم له مالاً ولا ذهباً ولا عقاراً، وإنما قدم له حباً حقيقياً، تمثل بقول وفعل جعلا زيداً يفضله على أبيه وعمه وأهل بيته، ولم يكن محمد نبياً آنذاك، وربما كان هذا أحد الأسباب المهمة التي دفعت صحابته ليبادلوه الحب بالحب، ولتنطق ألسنتهم عشرات المرات بعبارة: “فداك أبي وأمي يا رسول الله”، هذا الحب هو في حقيقته عطاء، تمثل في الفعل والقول، وليس بالقول فقط، والمحب لا يهمه كثيراً أن يكون المحبوب ملكه بل أن يكون سعيداً .
وأكد أنه يمكن لأبنائنا أن يشعروا بهذا الحب ببساطة لو استخدمنا معهم تقنيات الحب الاثنتي عشرة التالية: نظرة الحب وهي أن تنظر في مقلة من تحب حيث ثبت أن للغة الحب تأثيراً في من تحب، والتقنية الثانية كلمة الحب حيث أن الأبناء يسمعون أكثر من 16 ألف كلمة سيئة وفي المقابل يسمعون القليل من كلمات الحب، والكلمة الجميلة لها أثر بالغ وطيب حتى في الجماد، والتقنية الثالثة هي قبلة الحب وهي تصنع العجائب، والتقنية الرابعة هي لقمة الحب بأن يطعم الأب أبناءه وزوجته والعكس، أما التقنية الخامسة فهي دثار الحب بأن يقوم الأب أو الأم بالاطمئنان على الأبناء خلال نومهم، حيث يكون الإنسان في حالة أو مرحلة ما قبل الوعي إذا استيقظ مؤقتاً خلال النوم والإنسان في هذه المرحلة يستقبل كل شيء وهذا يؤدي إلى الطمأنينة للأبناء .
وأضاف أن التقنية السادسة هي ضمة الحب ويجب الإكثار منها، والتقنية السابعة هي دعوة الحب والثامنة هي لمسة الحب، موضحاً أن كل سنتيمتر من جلد الإنسان يوجد فيه 3 ملايين خلية، و5 ملايين خلية عصبية وهذه الخلايا تحتاج إلى اللمس للمحافظة عليها، وتبين أن خلايا جلد الإنسان تفرز مادة كيميائية رائحتها سيئة إذا كان الجالس بجنبه لا يحبه، وتفرز مادة رائحتها جميلة إذا كان من يجلس بجنبه يحبه، كما أن لمس هذه الخلايا يقلل من التجاعيد ويخفف من ضغوط الحياة .
والتقنية التاسعة هي نبرة الحب أما العاشرة فهي شربة الحب والحادية عشرة حفظ الحب وحفظ الغيبة، فلا يجوز للآباء والأمهات ذكر سيئات أبنائهم أمام الآخرين، ويجب التركيز على ذكر الإيجابيات، والتقنية الأخيرة هي ابتسامة الحب ولها 10 فوائد، أهمها أنها تريح الإنسان وتقلل الجهد العصبي وتريح العيون وتساعد على جودة التفكير وتساعد على التذكر وتساعد على هضم الطعام وأنها تسهل على الناس حياتهم، كما أن الابتسامة تقلل من تجاعيد الوجه وتساعد على زيادة الإنتاجية وتقلل من المشاجرات كما أن الابتسامة صدقة .
وقدم الدكتور ميسرة طاهر شرحاً مفصلاً لكيفية استخدام هذه التقنيات داخل الأسرة، وأوضح الفوائد النفسية لكل تقنية منها، والآثار التي تتركها في شخصيات الأبناء والبنات على المدى البعيد .
وعن التمييز بين الأبناء وبين أخطائهم أوضح المحاضر أن الخلط بين أخطاء أبنائنا وبناتنا وشخصياتهم يجعلهم يكبرون وهم يخلطون بين سلوك الناس وشخصياتهم، فيكرهون الآخرين ويحبونهم في كثير من الأحيان، لخطأ بسيط يقعون فيه فقط، لذا فإن هذا الخلط ينبغي تجنبه، لأننا حين ننجح في التمييز بين أبنائنا وأخطائهم نعزز لديهم ثقتهم بأنفسهم، ونزيد من قدرتهم على مواجهة ضغوط الحياة، كما نزيد من قدرتهم على الإبداع والعطاء . ثم طرح سؤالين مهمين:
هل هناك تربية بدون أوامر ونواه؟ وهل عتابنا لأولادنا ضروري دائما؟ وقد أجاب عنهما بالنفي، وأوضح بعد ذلك كيف تكون التربية بدون أوامر ونواهي وبدون عتاب، وإن حدث ذلك فيمكن أن يكون بالحد الأدنى منهما .
وفي الجزء الثاني من المحاضرة تناول سبل تنمية الحب بين الزوجين وركز على الاختلافات النفسية بين الرجل والمرأة، وقد ذكر أن النساء أعلى درجة من الرجال في الحدس، فقد تواجه إحداهن زوجها بخطأ ارتكبه حتى لو لم تمتلك دليلاً مادياً على ذلك ويعود هذا لما تملكه من حدس، وأوضح أن المرأة أمام المشكلات تحتاج لمن ينصت لها أكثر بكثير من احتياجها لمن يقدم لها الحلول، وبالمقابل فإن الرجل أمام المشكلات يحتاج إلى أن تعطيه زوجته مساحة ووقتاً حتى يستطيع الوصول للحل حيث يتمكن بعدها من العودة لطبيعته، وتناول ما يقارب من خمس عشرة صفة يختلف فيها الرجل عن المرأة، إضافة إلى العديد من مسببات الغضب المتباينة لدى كل منهما، وبين كيف يمكن ببساطة تجنب أسباب الخلاف بينهما لو امتلك كل منهما وعيا بطبيعة الطرف الآخر .
القطيعة بين الوالدين والأبناء يجب أن لا تزيد على 20 دقيقة
أكد الدكتور ميسرة طاهر أهمية أن لا تدوم القطيعة بين الأب أو الأم مع الابن أو الابنة أكثر من 20 دقيقة وأن يحرص الوالدان على إعادة العلاقة مع الأبناء من خلال تطبيق تقنيات الحب العائلي، موضحاً أن التربية من دون حب تؤدي إلى البحث عن إثبات الذات وإلى امداد النفس بممتلكات خارجية كما تؤدي إلى النرجسية .
وأضاف أن أبناءنا يتلقون الكثير من ردود الفعل والغضب منا على أفعالهم وبعد ذلك نندم على أسلوب التعامل معهم، فلا بد من قواعد في البيت توضح كل شيء للأبناء .
وأشار إلى أن هناك فرقاً بين الحب والدلال، فالدلال هو السماح للابن النفاذ من العقوبة إذا استحقها، وهذا خراب، والحب عطاء بالقول والفعل، وينبغي أن يكون في البيت قوانين وعقوبات وعلى الأبناء الالتزام بها . وأوضح الدكتور ميسرة طاهر أن المرأة تغضب إذا فقدت الرعاية والاهتمام وإذا لم تجد زوجها يتفهمها وإذا فقدت الاحترام وإذا لم يكرس الرجل حبه لها وإذا فقدت حقها في إبداء الرأي وإذا لم تشعر بالحب بصفة دائمة .
المحاضر في سطور
الدكتور ميسرة طاهر يشغل منصب رئيس هيئة الاستشاريين في بيت المشورة للتطوير الذاتي والاستشارات وتحسين التفكير والدراسات، وهو مركز لتأهيل الشباب والشابات للزواج في جدة بالمملكة العربية السعودية، وهو رئيس قسم الارشاد الأكاديمي لطلاب الدراسات العليا بقسم علم النفس بجامعة أم القرى وأمين مجلس قسم علم النفس وباحث بمركز البحوث التربوية والنفسية في الجامعة ذاتها ومستشار تربوي ونفسي في عدد من المدارس .
يحمل الدكتور ميسرة شهادة الدكتوراه في علم النفس بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وبكالوريوس البيولوجيا مع دبلوم عام في التربية من جامعة دمشق .