اشتكت مجموعة من الموظفات المواطنات اللاتي يعملن في شركة للتأمين من سوء معاملتهن، وعدم مساواتهن في الترقيات والبدلات مع نظرائهن الوافدين، بل واستغثن بالمسؤولين والجهات المعنية للتدخل بعد تفتيشهن بطريقة مهينة، بحسب كلامهن، وكسر أدراج مكاتبهن أكثر من مرة من قبل مسؤولين بالشركة التابعة للقطاع الخاص دون استئذانهن، أو لسبب يدعو لذلك، معتبرات أن هذا السلوك اقتحام للخصوصية، ويؤدي لعدم قدرتهن على مواصلة أعمالهن، وقلن إنهن مجموعة من المواطنات يواجهن حالياً صعوبات تهدد استمرار حياتهن الوظيفية .
فيما أكد جاسون لايت رئيس الشؤون التنفيذية والمتحدث الرسمي للشركة التي تعمل بها الموظفات المواطنات، رداً على الشكوى “إن عدد الموظفين بالشركة يقدر بنحو 248 موظفاً من مختلف الجنسيات والتخصصات، ونعاملهم جميعاً بالمساواة، ونأخذ شكاوى الموظفين بدرجة عالية من الجدية، والنظم الداخلية في الشركة توفر للموظفين قنوات داخلية عدة، تمكنهم من نقل مشكلاتهم للإدارة العليا، ولم نستقبل شكاوى من هذا النوع من قبل” .
رجال القانون وعلم النفس أجمعوا على أن قانون العمل حدد طرق التعامل، ووسائل تطبيق الثواب والعقاب في بيئة العمل، ومنع التعسف، وحظر التجاوزات، وخاصة أن المعاملة السيئة والتمييز بين الموظفين يخلقان جواً من عدم الاستقرار في بيئة العمل، ويؤثر أن في الإنتاجية والصحة النفسية للموظفين .
“الخليج” حرصت على لقاء جميع الأطراف والموظفات اللاتي فضلن ذكر الحروف الأولى من أسمائهن في محاولة للوقوف على حقيقة النزاع، ونعرض آراءهم في التحقيق التالي:
تقول المواطنة (ع .ع)، في العقد الثالث من عمرها: أعاني من ضغوط نفسية بسبب سوء المعاملة التي أواجهها منذ عملي في شركة التأمين، إضافة إلى النظرة المتدنية من قبل مديري الشركة، والوضع بات لا يحتمل، ما دفعني وبقية زميلاتي إلى الاستغاثة بالمسؤولين والجهات المعنية لتصحيح أوضاعنا، خاصة بعد تعرضنا للتفتيش أكثر من مرة وكسر مكتبي 3 مرات دون علمي وبدون سبب يدعو لذلك . واكتملت معاناتي من تعسف الإدارة في تقييم أدائي الوظيفي، وعدم مرونتها في تسهيل ظروف العمل .
حصلت على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية عام ،2006 وتقدمت لجهات التوظيف المختلفة للحصول على وظيفة ولكن بدون جدوى، ما دفعني للاعتماد على نفسي للحصول على عمل من دون مساعدة حتى تمكنت من الحصول على شركتي الحالية .
ظل الأمل يراودني 5 سنوات لكي أحصل على وظيفة بالقطاع الحكومي، ولكن في كل مرة يتبدد الأمل مع مجموعة من الوعود الباهتة . . تحاملت على نفسي وتحملت مأساة الوظيفة الحالية، نظراً لمسؤولياتي والتزاماتي التي تجبرني على البقاء .
تجاوبنا مع الدعوات الحكومية التي تحث المواطنين والمواطنات على العمل في القطاع الخاص، لكن يبدو أننا اليوم سندعو إلى توظيفنا في المؤسسات الحكومية، بعد المعاناة التي نعيشها جراء العمل في القطاع الخاص . لذا يتعين على الجهات المعنية متابعة أحوال المواطنين في الشركات الخاصة وحماية حقوقهم . هكذا بدأت (م .أ) سرد روايتها، وأوضحت: تخرجت في جامعة الإمارات بعد الانتهاء من دراسة الإعلام وكان حالي مثل حال الكثيرات من المواطنات اللاتي حاولن اختراق قلعة التوظيف في المؤسسات الحكومية، واكتشفن في النهاية أنه حلم يحتاج إلى واسطة ليصبح حقيقة .
بدأت العمل منذ عامين في الشركة نفسها، وعلى الرغم من محاولاتي الدؤوبة للإبداع وتحقيق التميز في العمل، إلا أن التقارير التقييمية دائماً ما تأتي متعسفة وغير صادقة من مديري الشركة، حتى يفوتوا عليّ وعلى زميلاتي فرصة الترقي، وتقليص الأرباح السنوية (البونص) التي تصرف لنا كل عام مقابل التفوق الوظيفي، بالإضافة إلى التعسف في المعاملة .
هذه المعاملة لا تسري إلا على المواطنات اللاتي يعملن في الشركة فقط، ونأسف على ما تتبعه الشركة من سلوكيات تسيء إلى موظفيها بسبب تفتيشنا عدة مرات وكسر درج مكتبي مرتين بدون مبرر مقنع .
وشرحت (ن .س) خريجة كلية التقنية، التي تعمل في الشركة نفسها منذ ثلاث سنوات مشكلتها قائلة: إن تقييم الموظفات في فرع الشركة يتم في مقرها الرئيسي من دون مناقشتهن، أو تبادل أي معلومات مع الموظفة المعنية بالتقييم، لافتة إلى أن أسلوب التقييم “الغيابي” قائم على العشوائية والحالة المزاجية للمديرين، وبالتالي نحصل على درجات منخفضة تحرمنا من الترقي وزيادة الراتب والعلاوات السنوية .
وأكدت أن المواطنات لديهن كفاءات وتخصصات كثيرة تمكنهن من العمل في مختلف الجهات، ولكن يبقى أن تتاح لهن فرصة حقيقية لإبراز طاقاتهن .
وأضافت أن يد الحزم في الشركة تطال دائماً المواطنات دون غيرهن من الموظفين الآخرين، حتى في حالات الخروج والدخول إلى الدوام، نجد من يتمتع بحرية الانطلاق، ويحرم علينا الحركة والتواصل فيما بيننا وكأننا نعمل في سجن .
ونصحت المواطنات بالمواظبة على تدريب أنفسهن والتعلم المستمر، لأن استراتيجيات العمل تتطلب الكفاءة والتخصص، والتصدي لأجواء العمل السلبية ومجاراة الحالة النفسية التي يتعرضن لها من قبل الوافدين الذين يشعرون أن وجودهن يمثل تهديداً لهم في مصدر رزقهم، ومن ثم لا يريدون أن يعلموهن أصول العمل أو تفاصيله وأسراره، فتكون النتيجة أن تظل المواطنة عديمة الخبرة والفائدة، ويسود انطباع عنها بذلك .
ومن جانبها قالت (أ .م) حديثة التخرج، وتعمل في الشركة ذاتها أن جهات العمل سواء كانت حكومية أو خاصة، تعاني الكثير من مسألة التوظيف، والطالب أيضاً يعاني بعد تخرجه بسبب عدم الإيمان بالتخصص وتوزيع المتقدمين على الجهات الحكومية والخاصة بطريقة عشوائية .
وتضيف: لقد تخرجت في جامعة الإمارات بعد دراسة اللغات والترجمة، والآن أعمل في هذه الشركة، ومجال عملي بعيد تماماً عن دراستي، ورغم ذلك أحاول تحقيق التميز والتعايش مع طبيعة العمل الجديد .
وقالت إنها كانت تزور معارض التوظيف قبل الانتهاء من دراستها، وتتقدم للتوظيف منذ حصولها على الشهادة، مؤكدة أنها لم تكتف بالمعارض، بل قدمت سيرتها الذاتية إلى عدد من الدوائر الحكومية والشركات الخاصة، حتى حصلت على وظيفتها الحالية .
وذكرت أن الشركة لا توفر فرصاً تدريبية وترقيات تمكنهن من تولي مناصب قيادية تخدم الوطن، كما تفتقر الشركة أيضاً إلى وجود نظم ولوائح داخلية تنظم العمل بشكل عادل، وتحدد متطلبات الوظائف والكفاءات بين المواطنين والأجانب، وتعتمد على المقيم، وتثق في أدائه أكثر من المواطن، وناشدت الجهات المعنية تطبيق سياسة جديدة تضع أصحاب التخصص في أماكنهم التي تناسب دراستهم .
أضعت 8 أشهر للحصول على شهادة الإنجاز التي لم تعد عليّ بأية فائدة، هكذا بدأت المواطنة (م .أ) حديثها، وكانت تعمل في إحدى شركات التأمين بوظيفة مساعد إداري قائلة: باءت كل محاولاتي للحصول على وظيفة حكومية بالفشل منذ عام ،2008 حتى تمكنت من العمل بهذه الوظيفة لمدة عامين وثمانية أشهر براتب شهري قدره 6500 درهم، ولم أحصل على أية زيادة في الراتب، على الرغم من حصولي على عدة شهادات تأهيلية .
في المقابل، أفاد جاسون لايت رئيس الشؤون التنفيذية والمتحدث الرسمي للشركة التي تعمل فيها الموظفات المواطنات، بأن الشركة مساهمة عامة، تصل فيها نسبة التوطين إلى 14% من القوة العاملة، وهي نسبة كبيرة مقارنة بباقي الشركات التي تعمل في المجال نفسه، حيث إن عدد الموظفين بالشركة يقدر بنحو 248 موظفاً من مختلف الجنسيات والتخصصات ونعاملهم جميعاً على قدم المساواة .
وأكد أن الشركة تأخذ شكاوى الموظفين بدرجة عالية من الجدية، إذ تبدأ تحقيقاً وتدقيقاً معمقين عند تلقي الشكاوى، سواء عبر القنوات الداخلية أو الخارجية، مشيراً إلى أن النظم الداخلية في الشركة توفر للموظفين قنوات داخلية عدة، تمكنهم من نقل مشكلاتهم للإدارة العليا .
وأكد أن الإدارة تتحفظ على أسمائهم وتحافظ على سرية مشكلاتهم، إلا أنها لم تسجل أي شكوى من هذا النوع، عبر تلك القنوات .
وقال إن الشركة تتبنى سياسات وإجراءات، لضمان معاملة متساوية لجميع الموظفين، وعلى جميع الموظفين الامتثال لهذه السياسات، ورأى أن الشكوى فردية، ولا تنطبق على معظم الموظفات المواطنات في الشركة . من جانبه أكد مازن محمود مسؤول الشؤون القانونية بالشركة أن ما جاء على لسان الموظفات من تعرضهن للتفتيش وكسر أدراج مكاتبهن يعد جريمة يعاقب عليها القانون، وكان لا بد من الإبلاغ عنها في حال وقوعها، معرباً عن أسفه لعدم تقدم الموظفات بشكاوى رسمية لإدارة الشركة عبر قنواتها الداخلية أو الخارجية، لنتمكن من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة .
أما فيونا فرناندس، مديرة الموارد البشرية، فقد أكدت أن الشركة أعدت 11 دورة تأهيلية للموظفين عام 2011 للأقسام التي تستطيع الاستفادة منها حسب مجال التخصص، موضحة أن هناك دورات خاصة للمواطنات فقط معدة حسب برامج خاصة بالتعاون مع جهات خارجية .
عداء وكراهية
تقول الدكتورة غاية عيسى، المتخصصة في علم النفس: إن المعاملة السيئة والتمييز بين الموظفين يخلقان جواً من عدم الاستقرار في بيئة العمل، ويؤثران في الصحة النفسية للموظفين، فالمعاملة الحسنة تخفف كثيراً من توترات العمل، وتضاعف الإنتاج في ظل وجود دعم مجتمعي كامل، وهذا ما أكدته الدراسات الحديثة في علم النفس، وجاء فيها أن المدير السيئ لا يسبب الضغط النفسي على موظفيه فحسب، بل قد يؤثر أيضاً في إنتاجهم وولائهم تجاه مؤسستهم .
وأكدت أن المديرة والموظف وجهان لعملة واحدة لكل منهما مهامه والتزاماته المهنية ومسؤولياته العلمية، ودور المدير هنا يجب ألا يكون قائماً على الشدة في التعامل، بقدر ما يكون حريصاً على تنظيم المهام التي يجب أن توكل في إطار صحيح للموظفين، إلى جانب عدم إغفال مبدأ مكافأة وتقدير المتميزين وعلى المدير ألا يصدر منه أي تجاوزات في معاملته مع الموظفين مثل “التفتيش أو كسر مكاتب أو شيء من هذا القبيل” بدون إذن لأن هذا السلوك قد يولد العداء وكراهية للعمل ذاته في نفوس الموظفين، وينمي روح الانتقام من المدير، كما يؤدي إلى فقدان الثقة فيما بينهم .
منع التعسف
يقول عبدالله الكعبي، مستشار قانوني: إن الدولة وضعت قانون العمل لتنظيم العلاقات بين الموظفين، ورسم القانون طرق التعامل ووسائل تطبيق الثواب والعقاب في بيئة العمل، ومنع التعسف وحظر التجاوزات مثل “التفتيش أو اقتحام المكاتب”، مؤكداً أن المادة 102 من قانون العمل نصت على أن الجزاءات التأديبية التي يجوز لصاحب العمل، أو من يقوم مقامه، توقيعها على عماله هي: الإنذار، الغرامة، الوقف عن العمل بأجر مخفض، لمدة لا تزيد على عشرة أيام، والحرمان من العلاوة الدورية، أو تأجيلها في المنشآت التي يوجد بها نظام لمثل هذه العلاوات، والحرمان من الترقية في المنشآت التي يوجد بها نظام للترقية، والفصل من الخدمة مع حفظ الحق في مكافأة نهاية الخدمة، والفصل من الخدمة مع الحرمان من المكافأة كلها أو بعضها، ولا يجوز توقيع هذا الجزء لغير الأسباب المذكورة على سبيل الحصر في المادة 120 من هذا القانون .
وأكد أنه طبقاً للمادة 110 فإنه لا يجوز توقيع أي عقوبة من العقوبات المنصوص عليها في المادة 102 على العامل، إلا بعد إبلاغه كتابة بما هو منسوب إليه وسماع أقواله وتحقيق دفاعه، وإثبات ذلك في محضر يودع ملفه الخاص، ويؤشر بالعقوبة في نهاية المحضر، ويجب إبلاغ العامل كتابة بما وقع عليه من جزاءات ونوعها ومقدارها وأسباب توقيعها والعقوبة التي يتعرض لها في حالة العودة .