مشفى مجانين ..
هي ليست جمهوريات وممالك عربية .
قد يكون الأقرب إلى الثقافة السائدة , شكلا فاقعا من أشكال المرض النفسي الحاد , حالة انفصام الشخصية , نسميه جنونا ..
كأن يعيش الإنسان المصاب بانفصام الشخصية حياة عادية بسيطة , ولكن تحت ضغوط معينة , تظهر شخصية مختلفة للغاية ومنفصلة , ومستقلة ..
يقال على ذمة علم النفس الحديث , أن النرجسية التي تصيب عادة العظماء أو القادة , تأخذهم بعيدا , إلى واحدة من أكثر حالات انفصام الشخصية , تطرفا ..
تلك هي , طبيعة النفس البشرية , في انفعالاتها , في علاقة الإنسان الفرد بمشاعره , وعلاقة الجماعات القلقة بالإنسان الفرد , أو الأمل , في بيئة تُقدس الشخصانية ..
بل يمكن بقليل من الوعي والهدوء , تفهّم الحالة الإلهية للحاكم العربي المُتوحد , وهو يسير في القصر شديد الحماية , مرحا , يخرق كل الأحلام والمستحيلات , ويبلغ كل الأوهام , طولا ..
ولكن , ماذا عنّا نحن , سكان ممالك الأحلام , وجمهوريات الأمنيات , ومدن الملح , وشوارع المستحيلات , وأزقة الأوهام , في بلاد اللبن والعسل , وشواطئ الغروب المُخضل بحمرة الحياء والخجل ..!!
نحن , الخائفون من بعضنا البعض , المُستضعِفون لبعضنا البعض , السائرون قرب الجدران العالية , المتظللون الابديون بتقية بالية , صنّاع الأحاديث المُخادعة , والانتصارات العبثية , سدنة بيوت الآلهة التي تسير على قدميها ..
كيف استطعنا أن نكون سعداء , ومن أين جاء إلينا يوما الفرح , ومن أين أتينا بكل هذا الأمل , ومتى نسينا أن الغد قادم , ولماذا تجاهلنا منطق كل الأشياء , وهل نحن فعلا شعب الله المختار , وعلى من قرأنا مزاميرنا , وعن أي حكمة ندلّل ..!!
للحاكم الفرد الإله العربي المُقدس , المولود من رحم "لانغلي" بلا رذيلة , كل الحق في التيه , يرى البلاد قصره , ويرى العباد رعيته , ويرى السماء بقربه , ويرى الشيطان في المرآة كل صباح , فيبتسم زهوا , ويزداد علوّا , ثم ينكر بعظمة الخواء , نفسه ..
الحاكم العربي , بخصيتيه المتوردتين بل المتورمتين , من قبضة "المكاري" , "لانغلي" , وهو يرقص الباليه الفيلي , بين حراسه بل مريديه , يتنقّل على رؤوس أصابعه بل أقدامهم , حوّل قصره , قصرنا الافتراضي , إلى "عصفورية" , أو مشفى للمجانين بل اللصوص المُترفين ..
نحن , العرب السُذّج , المتسربلون بعباءة الرضا والتسليم , نسينا في لحظة صارت عمرا من ندم , أو تناسينا في لحظة خوف ووجل , صارت عمرا من ذلّ , أن هذه البلاد ليست مشفى للمجانين , وأننا لسنا فصاميون ومعتوهون ومخاليع وبلهاء , بل منافقون وكاذبون ومهرجون وقتلة ..
هذه الحالة الوطنية الثورية الشبابية العربية المباركة , من محيط التنجيم إلى خليج الحناء , إذا كانت لتكرّس يوما تغييرا حاسما , وانتصارا محققا , فهو في إعلان حالة الانفصام الشخصي القاتل , لهذا الحاكم العربي القاتل , خروجا إراديا لنا جميعنا , من مشفى مجانين عربي , لا يليق بنا .
10/2/2012
زياد هواش
..