من بين مظاهر التطور المذهلة والمدهشة حول موقع “فيسبوك” الاجتماعي الذي أصبح ظاهرة بدايات القرن الحادي والعشرين بكل امتياز هو استقطابه اهتمام العديد من الباحثين وعلماء النفس والاجتماع الذين لم يتوانوا في جعل قصص نجاحه المتواصلة مادةً دسمةً لهم يُخضعونها لمشرط التشريح العلمي في مختبراتهم ومراكزهم البحثية لاستكشاف أغوار التغييرات التي أحدثها هذا الموقع على السلوك الإنساني بشكل عام. ومن بين هذه الدراسات وأحدثها دراسة نشرتها مجلة “علم النفس الافتراضي والتشبيك السلوكي والاجتماعي”.
وهي تُفيد أن السبب الأبرز للشعبية غير المسبوقة لهذا الموقع هو نجاحه في تحسين أمزجة مستخدميه، إذ تُثبت هذه الدراسة أن مشتركيه يشعرون أفضل عندما يتواصلون عبره ويتبادلون الأحاديث حول مختلف الشؤون والشجون.
وقام الباحثون الذين أنجزوا هذه الدراسة بتعريض 30 شخصاً يتمتعون جميعهم بصحة جيدة إلى شرائح تحوي عروضاً تفاعليةً على الحاسوب كان من بينها حساب كل شخص على موقع فيسبوك، أو شريحة عرض تفاعلي لتخفيف الضغط والتوتر، وأخرى تشمل اختباراً في الرياضيات. وعمل الباحثون على قياس ردود الفعل النفسية للمشاركين كل ثلاث دقائق، وأخضعوهم خلال هذه التجربة لاختبارات لقياس الآثار السيكولوجية المختلفة التي يمرون بها مثل موجات الدماغ التي تعكس مدى النشاط الذهني، ونسبة تدفق الدم في الجسم، ومعدل النبضات، ووتيرة التنفس، وحركة الجفون والرموش، إضافةً إلى اختبارات أخرى تُحدد جميعها تغيرات المزاج ودرجات التوتر والارتياح. وكما توقع الباحثون، كانت الدقائق الثلاث الأولى التي قضاها المشاركون على حسابهم الشخصي على “فيسبوك” أكثر إراحةً وإشعاراً بالرضى من الشرائح الأخرى التي عُرضت عليهم بما فيها شريحة العرض التفاعلي المريح للأعصاب، فضلاً عن الشريحة الأخرى الموترة للأعصاب بسبب احتوائها على اختبار رياضيات. ولاحظ الباحثون أيضاً أن المكوث على صفحة “فيسبوك” يُثير بدوره استجابةً تؤشر إلى حدوث تغير في المزاج، لكنْ نحو الأحسن.
ولقد استفزت هذه الملاحظات الباحثين، وجعلتهم يربطون ظهور هذه الاستجابات العاطفية الإيجابية بمجرد ولوجهم عالم فيسبوك بنظرية “التوسيع والبناء” الخاصة بالعواطف الإيجابية. وتفيد هذه النظرية أن العواطف الإيجابية تقود إلى الإبداع والابتكار وتوثيق الروابط الاجتماعية، ما يؤدي بدوره إلى بناء القدرات وتعزيز المهارات الخلاقة وتوسيع دائرة المصادر الشخصية. وهذه المصادر تلعب دوراً هاماً في مراحل لاحقة من حياة الشخص، وتدعمه لاشعورياً وتمنحه قدرةً أكبر على الصمود والتكيف مع أي بيئة يعيش فيها أو ينتقل إليها. وهو ما أوجزه الباحثون في خلاصة دراستهم بالقول “إن الأنشطة التي يقوم بها كل شخص على موقع “فيسبوك” تجعل عواطفه الإيجابية تتفتق وتتدفق أكثر، وهذا منتهى ما يسعى إليه ويسعد به كل إنسان”.
عن “واشنطن بوست”