إحتل الشاعر الفلسطيني محمود درويش مكانة مرموقة، ليس على مستوى فلسطين، ولكن على مستوى العالم ، وفي إحدى الإيام قال شارون أنه يحسد الفلسطينيين على وجود محمود درويش، لا أعرف مصداقية هذا الكلام ولكنني قرأته في أحدى الصحف، رحل درويش، وبقيت قصائده.
ما الذي جعل محمود درويش مرموقاً الى هذه الدراجة؟، ما الذي جعله يحتل مكانة مرموقة؟، الإجابة عن هذا السؤال، تكمن في أن درويش توصل الى تحليل عميق للنفس البشرية، وتحليل إعمق للواقع الإجتماعي، ولكنه بدل من أن ينتجه على شكل نظريات تُدرس في الجامعات، وفي أروقت علم النفس والإجتماع، خرج بنصوص شعرية تشخص الواقع الإجتماعي، وتحلل النفس البشرية.
لازال شعر دوريش تكتب فيه الكثير من رسائل الماجستير والدكتورة والأبحاث العلمية في مختلف الحقول، علم النفس والإجتماع والأدب المقارن، والسيميائيات وغيرها، ولن تقف الإبحاث العلمية عن الكتابة والبحث في شعر هذا الشاعر، لأنه بإختصار، عميق لدرجة، أنه كلما قرأته أكثر كلما شعرت أن به شيئاً من السحر.
لعل درويش في قصيدته المشهورة "فكر بغيرك" كان يقصد الدعوة الى التفكير بالغير، رسالة أطلقها للأنا من أجل التفكير بالآخر، رسالة للغرب للتفكير بالشرق، للشمال بالتفكير في الجنوب، للغني بالتفكير بالفقير، للقوي بالتفكير بالضعيف، للشيء بالتفكير في ضده حتى تبنى عملية التوازن الطبيعي في هذا الكون وقد أشارت مقال الكاتب أحمد حنون الى أهمية التفكير بالغير والتي نشرت في معا الإخبارية، وكان برنامج فلسطين الخير مع إغنية سميح شقير لتأكد على دعوة الشاعر في التفكير بالغير.
ولكنني في هذه الورقة أرغب في لفت أنتباه القُراء الى قضية غاية في الأهمية حول قصيدة محمود درويش "فكر بغيرك"، أن دعوة دوريش كانت تصب في نقطة التوازن ما بين الفردية والجماعية، وبين الإنانية والإثار، لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون هذا التوازن، أن الشعوب التي تعطي وتعيش كل حياتها من أجل غيرها قد خسرت وتخسر، والشعوب التي تعيش لنفسها دون أن يكون لها علاقة بغيرها قد خسرت وتخسر، أن عملية التوازن بين الفرد والجماعة قمة في الأهمية لأن الأنسان يبقى في تصنيف الأنسان، فهو يجتهد ويتعب من أجل أن يرى ثمرت جهده، وفي نفس الوقت يحاول أن يعطي غيره، ومن المهم أن يعطي غيره، ومن المهم أن يفكر في غيره.
أن الفكرة الأساسية من هذه المقالة موضوحة في الشكل المرفق بالمقال، كانت دعوه درويش الى أن المجتمع أذا أراد أن يصل الى أعلى درجات التقدم، والصحة، والتطور، يجب أن نراعي التوازن ما بين الفردية والجماعية والأنانية والتفاني، فلا يعقل أن نعيش كل حياتنا من أجل الغير، فنصبح مهدورين على حد تعبير مصطفى حجازي، وفي نفس الوقت لا يمكن أن نعيش كل حياتنا بمعزل عن الآخر وبمستوى عالي من الإنانية والفردية، فنصبح لا نشبه البشر في شيء، سوى الشكل، أن "مستر بن" مثلاً يمثل هذه الحالة من الفردية والإنانية وتراه يسلي نفسه بكل شيء ليحس أنه حي يرزق، وأنا سميت منطقة الفردية في الشكل بمنطقة "مستر بن"، لأنني أره يمثل هذا الجانب، وفي المقابل كان الشعب الليبي مثلا يعيش للقذافي، ويشعر أنه يعيش من أجل الجماعة، المهم الجماهيرية العظمى، أما ماذا أنت؟ وماذا تحب؟ هذا ليس مهم، فثار شعبه عليه، أن السبب الرئيسي للثورات العربية، أن الشعوب شعرت أنها تعيش لغيرها ولا تعيش لنفسها، تعيش من أجل فئة قلية مستفيدين من الدولة، يصل الإنسان الى درجة الإنتحار أذا شعر أنه لوحده ويعمل لنفسه، ويصل الى درجة الإنتحار اذا شعر أنه لا يعيش لنفسه، لذلك قال درويش:
" وأنت تعد فطورك فكر بغيرك
لا تنسى قوت الحمام
وفي نهاية القصيدة يقول:
وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكر بنفسك
قل: ليتني شمعتة في الظلام
هذا هو العمق الذي كنت أقصده، في البداية يجب التفكير بالغير ولكن في نفس الوقت يجب أن تفكر في نفسك، لأنك أذا عشت للأخر، كانت الدنيا مظلمة، وأذا عشت لنفسك كانت باردة.
وأن القصد هنا أن يكون الإنسان لديه القدرة على حفظ هذا التوازن بين الفردية والجماعة، لا يذوب في الجماعة فيلغي نفسه، ولا يذوب في نفسه ويلغي الجماعة، ولا يكون أناني يحب نفسه، فيبتعد عن البشر والبشرية والإنسان والإنسانية، ولا يبقى يدفع بكل ما لديه ليجد نفسه لا يعيش لغيره.
وفي المحصلة:
توازن ________يؤدي الى ________صحة نفسية _____تؤدي الى ______التنمية والتقدم