ليس الشُكر أمراً تُمليه فنون “الإيتيكيت” وأسلوب العيش المعاصر المغرق في التصنع والتكلف والمظاهر، بل إن شُكر الناس من الأخلاق الحميدة والخصال الجميلة التي نشأت بنشوء الإنسان وتجلت معانيه قبل نزول آدم إلى الأرض. وهي كلمة ذات دلالات بليغة وآثار سحرية باهرة لا يزول أثرها بتمام نُطقها، بل إنه يمتد إلى آماد آجلة بعيدة. ولذلك ينصح علماء النفس بزرعها في نفوس الأطفال وتعليمهم قيمة “الشكر” السامية حتى يجنوا ثمارها الوافرة من خلال تمتعهم بشخصيات أسعد وصحة أفضل. فالشكر، يقول علماء النفس، يُساعد الأطفال على بناء شخصيات متوازنة وراضية، شخصيات شاكرة إيجابية جميلة تستشعر جمال الكون وتحصي ما تعيش فيه من نعم، وتُسارع إلى شُكر المعروف، وتغض الطرف عن السوء والقُبح بعيونها الجميلة الكليلة عن كل عيب، والبصيرة بكل حُسن.
يقول البروفسور جيفري فروه، أستاذ علم النفس بجامعة هوفسترا والذي بحث كثيراً في الآثار النفسية للشكر والامتنان، “نعلم أن الأطفال الممتنين هم أكثر سعادةً وأكثر رضاً عن حياتهم. وكونهم كذلك يجعلهم يكونون صداقات أفضل ويُنشئون علاقات أقوى مع أفراد العائلة. كما أن غالبيتهم يُحَصلون معدلاً تراكمياً أحسن وعلامات أكبر”. ويضيف “عادةً ما يكون الأطفال الممتنون ذو شخصيات أقل ماديةً وأقل حسداً لغيرهم وأقل عُرضةً للكآبة، ولديهم رغبة أقوى للتواصل مع المجتمع وأن يُقدموا له دائماً شيئاً ما عرفاناً وامتناناً”. ويعكف عدد متزايد من الباحثين على دراسة صفة “الشكر والامتنان” وأثرها في التكوين الشخصي والنفسي للأطفال، ويشير عدد منهم إلى أن التحلي بصفة الامتنان له العديد من الفوائد النفسية والاجتماعية على الشخص الراشد أيضاً، بل وحتى البدنية من قبيل انخفاض ضغط الدم.
ومن الممكن تدريس “الامتنان” لحسن الحظ. فقد توصل البروفسور فروه في إحدى دراساته المقارناتية إلى أن المراهقين الذين يُحصون النعم التي يتمتعون بها كل يوم لمدة أسبوعين كانوا أكثر امتناناً من أولئك الذين لا يفعلون ذلك، كما كانوا أكثر تفاؤلاً ورضاً عن حياتهم.
وفي دراسة أخرى لاحقة، وجد جيفري وزملاء له أن أطفال المدارس الذين يشمل منهاجهم الدراسي دُروساً عن قيمة الشكر كانوا أكثر امتناناً وسعادةً من أولئك الذين لم يحصلوا على مثل هذه الدروس، وأن هذه المشاعر الإيجابية لازمتهم حتى بعد مرور أكثر من خمسة أشهر من تلقيهم هذه الدروس. كما أنهم كانوا أكثر قُدرةً على التعبير عن مشاعرهم، بما فيها شعور الامتنان، وأحد تجليات ذلك كان كتابتهم عبارات “شكر” أكثر من الآخرين بنسبة 80% عند حضورهم فعاليةً مدرسيةً.
تحدي الطغيان المادي
يشير فروه إلى أن الدراسة التي شارك في إنجازها تُفيد أن الفوائد المرتبطة بالامتنان تظهر أكثر عند الأطفال الذين يبدؤون تلقي دروس عن قيمة الامتنان بإقبال فاتر وأقل حماسةً. ويضيف “نحن هنا بصدد الحديث عن سُلوك حقيقي”. ... باقي المقال