هل من الممكن أن يتحول الإنسان إلى مجرم يقف خلف القضبان، ويواجه عقوبة الاعدام من جراء قيامه بإزهاق روح إنسان آخر، من دون أن تكون هناك أسباب ودوافع نفسية أو بيئية أو اجتماعية، لاسيما في ظل وجود القوانين والتشريعات التي تنظم الحياة بين البشر وتبتعد بهم عن قانون شريعة الغاب؟
وهل الجريمة فعل يسهل ارتكابه أم أن الجهل بالقوانين المعمول بها محليا وعدم معرفة التطور الحاصل في آليات الكشف عن ملابسات الجريمة، يجعلان التخطيط لها وتنفيذها أمرا عاديا يمكن القيام به؟
وما جدوى توعية العمالة قبل قدومها للدولة، بالقوانين المطبقة محليا وتوضيح تطور الآليات والأدوات التي تمتلكها الجهات المعنية في الكشف عن الجرائم مهما حاول مرتكبها اخفاء الأدلة؟
جميع تلك الأسئلة تطرح نفسها في ساحات المحاكم التي تشهد أروقتها قضايا مختلفة منها القتل المتعمد مع سبق الاصرار والترصد، التي سمح مرتكبوها لأنفسهم بإنهاء حياة إنسان، وإتباع ذلك بتقديم المبررات التي مهما عظمت لا تعفي من النعت بالمجرم أو القاتل .
عوامل متعددة
أكد الدكتور صالح أحمد الخطيب مدير مركز الارشاد النفسي وأستاذ علم النفس المشارك بكلية التربية في جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا أن الدافع إلى ارتكاب الجريمة يتمثل بمجموعة من العوامل المتعددة والمختلفة والمعقدة، بحيث لا يمكن تصنيفها أو وصفها بشكل كامل ودقيق .
إلا أن بعض النظريات التي قدمها الباحثون في مجال علم الاجرام، أرجعت سلوك الاجرام إلى العوامل البيئية أو الاجتماعية وأخرى ربطته بالعوامل النفسية والاضطرابات العقلية، وأرجعته غيرها من النظريات إلى عوامل بيولوجية أو وراثية، بينما اعتقد آخرون من العلماء بأن الدافع للجريمة يعود إلى عوامل متعددة تضمن تفاعل عدد من العوامل السابقة .
ولفت إلى دور التعلم في السلوك الإجرامي، حيث إن بعض الأشخاص لا يكتفون بالانحدار إلى عالم الجريمة، بل يقومون بتعلم كيفية ارتكابها، كما أن الأشخاص الذين تزودهم بيئاتهم بفرصة الانخراط في عالم الجريمة يقومون بتعلم المهارات الخاصة بارتكابها في حين أنهم إذا لم يجدوا تلك الفرصة، فإنهم يبتعدون عن الانخراط فيها .
تجاهل الآخرين
وعن الشخصية الاجرامية أو (السيكوباتية) كما يطلق عليها في علم النفس قال الدكتور إن النوعية التي يتم تصنيفها بالمضادة للمجتمع تعتبر من أكثر أنواع اضطرابات الشخصية المثيرة للاهتمام، نظرا إلى ما لها من تأثير في حياة الناس، ولارتباطها بالأعمال الإجرامية والعدوانية، والعلامة الفارقة للشخصية السيكوباتية هي نقص الضمير والتجاهل الكامل لمشاعر الآخرين، وغالباً ما تتصف بالخداع والأنانية والكذب، والتجرد من العاطفة والحب، وعدم الشعور بالندم أو الذنب، وعدم احترام الآخرين، وكذلك القوانين والأنظمة والمعايير الاجتماعية، إضافة إلى الاندفاعية وعدم القدرة على السيطرة على سلوكه، كما أنها شخصية عنيفة ومخادعة .
إلى جانب أنها مركبة من عنصرين أساسيين هما حب السيطرة والعدوانية، فالسيكوباتي قد يسرق دون أن يكون محتاجاً إلى النقود، ولكن لمجرد إيذاء الآخرين، وقد يقتل أو يشعل الحرائق أو يعتدي على الآخرين والمرافق العامة بالتحطيم أو التكسير لمجرد الإيذاء فقط، ودون الشعور بالندم أو الذنب .
عدم الوعي
أكد المحامي سالم بهيان العامري أن مدينة العين بدأت تشهد تزايداً في عدد القضايا التي تندرج ضمن قائمة العمل الاجرامي، ومنها القتل المتعمد مع سبق الاصرار والترصد، وذلك من قبل جنسيات غالبيتها ينتمي إلى الدول الواقعة في جنوب شرقي آسيا، وذلك لجهلهم بطبيعة القوانين المعمول بها محلياً، وطبيعة العمل الشرطي والتحقيق والآليات المتبعة في اكتشاف الجرائم التي تضع العمل الذي يمارسه رجال القانون في الدولة ضمن قائمة أوائل دول العالم في هذا المجال .
وأشار إلى أنه من واقع تجربته العملية التي تتطلب حضوراً شبه يومي في أروقة المحاكم، فإن المدينة شهدت خلال العام الماضي وقوع ما يقارب عشر جرائم قتل، واحدة منها كانت بدافع سرقة 100 درهم فقط، وهو ما يشير إلى عدم وعي تلك الفئات بطبيعة المجتمع المحلي الذين قدموا للعمل فيه من بيئات أخرى لا تتوافر فيها الثقافة المطلوبة لمنع ارتكاب الجرائم والالتزام بقوانين وأخلاقيات المجتمع الذي يعيش فيه إلى جانب عدم ادراكهم لمدى التطور الكبير الحاصل في المجال الأمني وقدرات رجال الأمن والقانون المحلي بشكل عام في اكتشاف الجرائم مهما كانت الحيل المتبعة في اخفائها أو طمس الدلائل .
وأضاف أن من الوقائع التي تشير إلى جهل بعض المتهمين بالتطور الحاصل في مجال علم الجريمة بدولة الإمارات هو أن بعضهم قام بارتكاب جرائم قتل بشعة، ومن ثم محاولة طمسها بطرائق بسيطة جداً لا يمكن أن تمر دون ملاحظتها من قبل رجال الأمن، وهو ما يشير إلى ضرورة قيام سفارات دولة الإمارات في الدول التي يتم جلب العمالة منها، بتنظيم محاضرات توعوية للأفراد الذين يحصلون على تأشيرات عمل داخل الدولة، بهدف توضيح القوانين المعمول بها محليا مع توضيح التطورات الحاصلة في المجال الأمني، التي باتت قادرة على اكتشاف أي نوع من الجرائم مهما كانت حنكة وذكاء مرتكبها، وأن المجرم سيقع تحت طائلة القانون مهما استخدم من حيل لطمس معالم الجريمة، إضافة إلى توعيتهم بضرورة اللجوء إلى القنوات القانونية المعروفة والمشرعة لهم بدلا من التعامل في ما بينهم بقوانين شريعة الغاب .