بعد الأزمة المالية عام 2008 تبلور إدراك جماعي بأن العوامل النفسية تؤثر على المستثمرين في الأسوق بالقدر نفسه الذي يؤثر به أي تحليل أساسي، أو فني لقيمة الأسهم أو السندات.
بعد أن حصل براد كلونتز على درجة الدكتوراه في علم النفس السريري في عام 1999، كان عليه دين يبلغ 100 ألف دولار من القروض الطلابية. قال براد: "كنت في أمس الحاجة إلى تسديد ذلك المبلغ. وفي الوقت نفسه رأيت أصدقائي وهم يكسبون مبالغ تصل إلى ستة أرقام في السنة من التعاملات في أسهم التكنولوجيا". لذا، باع كل ما يملك من أشياء ثمينة واستثمر ذلك في التداول في أسهم الإنترنت. وبعد بضعة أشهر فقط انفجرت فقاعة التكنولوجيا، وكذلك استثماراته.
كان يتألم من وطأة خسائره المالية، وكان يتساءل عن السبب في أن شخصاً مثله - "رجل ذكي إلى حد معقول" - ارتكب تصرفاً غبياً جداً بماله. وكان جوابه: "إن لدى مجال علم النفس جميع الأجوبة، لكنه تجاهل موضوع المال لذلك بدأت بإجراء مقابلات مع أفراد عائلتي".
وحين فعل ذلك أخذ يدرك أن استثماراته كانت نتيجة "أجيال من المعتقدات حول المال". لقد رأى جده أن عائلته تخسر كل أموالها عندما انهارت المصارف في فترة الكساد العظيم، وبالتالي لم يضع أي دولار في المصرف، بل خزّن ما لديه في صندوق في العلية. وورثت والدة الدكتور كلونتز المعتقدات نفسها. أما الدكتور كلونتز، فقد قرر أن يتصرف على عكس معتقدات العائلة، من أجل أن يصبح من الأثرياء. وقال: "لقد أصبحتُ نشطاً للغاية فيما أسميه أرجوحة البندول المختلة".
إجراء ذلك البحث الأسري وضع الدكتور كلونتز على مساره المهني: اليوم هو اختصاصي في علم النفس المالي، وأحد الاستشاريين القلائل الذين يساعدون المخططين الماليين ومستشاري الاستثمار والمعالجين في فهم الدوافع والمعتقدات والأفكار المسبقة التي يملكها الأفراد حول المال.
تعرض مجال التمويل لإهمال طويل من قبل المعالجين والأطباء النفسيين. وبحسب جيمي ترايجر موني، التي تصف نفسها بأنها اختصاصية علم نفس الثروة: "نحن نشبه أنفسنا بمعالجي الجنس في عام 1960. لم يكن في ذلك الحين مناقشة حول الجنس في العلاج".
وتقول ديبورا برايس، التي تدربت في علم النفس على مبادئ كارل يونج قبل أن تصبح مستشارة مالية، إنها عندما اعتادت على مراقبة السلوكيات المدمرة بين زبائنها، كان مديروها يطلبون منها أن "تترك الأمر إلى المعالجين". وعندما تحولت إلى المعالجين للحصول على المشورة، لم يتمكنوا من مساعدتها: "كانوا يقولون: المال من أشد المحظورات".
ويعتقد الدكتور كلونتز أن هناك حاجزاً نفسياً بين المعالجين. ويقول: "في بحثي، وجدنا أن المختصين في مجال الصحة العقلية يرجح لهم أن يتبنوا معتقدات تجنب المال، التي تشتمل على المعتقدات السلبية عن الأغنياء والسلبية العامة المرتبطة بالمال. سيجموند فرويد، مؤسس علم النفس الحديث، افترض أن أقوى صلة رمزية هي تلك الصلة الموجودة بين المال والبراز. ويبدو أن هذا الاعتقاد استمر وأن أحفاد فرويد لا يريدون لمسه".
ووفقا للدكتور كلونتز، أدت الأزمة المالية عام 2008 إلى تكثيف الاهتمام بعلم النفس الاستثماري: "وربما للمرة الأولى في التاريخ كان هناك اعتراف جماعي بأن للعوامل النفسية القدر نفسه من التأثير في سوق الأسهم، إن لم يكن أكبر، من أي تحليل أساسي أو فني لقيمة الأسهم أو السندات."
الدكتورة ترايجر موني، التي يعود أصلها إلى ولاية أوهايو، متخصصة في علاج الورثة من جميع أنحاء العالم، وتعتقد أن التسبب في التشهير بما نسبته 1 في المائة من الأغنياء جداً في أعقاب الأزمة المالية تسبب في مشكلات نفسية لهم. وتقول: "لقد ازداد ازدراء الأثرياء. وكانت وسائل الإعلام تسارع في وضع أصحاب الثروات في صورة سيئة. قد يكون من المتعة أن تظهر الأثرياء على أنهم أنذال، لكن ذلك لا يخدم عالمنا ككل. لا يرغب أولئك الأشخاص في الظهور لاعتبارهم من الـ 1 في المائة، بل يريدون البقاء تحت الرادار".
ولا تتوقع الدكتورة موني، التي عملت سابقا اختصاصية علم نفس في الفريق المختص بالثروة في ويلز فارغو، التعاطف مع عملائها: "أنا لا أقول إن عملائي تضرروا بالمقدار نفسه الذي تضرر به شخص من مشاريع الإسكان العام. ليس هذا قصدي بطبيعة الحال". ومع ذلك، تصر على أن فضح الأغنياء لا يفيد المجتمع. "إذا لم يضطر الأشخاص إلى الشعور بالذنب، عندها يمكنهم الحصول على صورة واضحة حول ما يريدون القيام به في العالم، وتحقيق أمر معين".
وتجادل بأن لدى ورثة الثروة مجموعة من المشكلات الخاصة بهم: "إنهم يشعرون بأنهم لا يستحقون المال ولديهم إحساس بالعار والذنب. انهم يشعرون بالعزلة والانغلاق". وتشير إلى أنه حتى اللغة التي نستخدمها لوصف مثل هؤلاء الناس تعتبر نوعاً من الاستهزاء: "هناك كثير من الكلمات السلبية التي ترتبط بالورثة: الطفل صندوق الائتمان، والملعقة الفضية، والشقي المدلل - ليست هناك أي عبارات إيجابية".
وهذا شيء تعرفه من تجربتها الشخصية. فقد ولدت في وسط عائلة ثرية تملك سلسلة من حلبات التزلج بزلاجات ذات عجلات، وقد اعتادت على الشعور بالحرج عندما كانت طفلة حين كان يأتي الأصدقاء لمنزلها ويعلقون على حجمه الكبير. كانت تشعر شعوراً قوياً بأن نتائج ذلك الإحساس بالعار تؤدي إلى نتائج عكسية.
وتستشهد بإحدى العميلات – وهي مختصة بيئية - بنت عائلتها ثروتها من خلال صناعة الأخشاب، وهذه الأعمال التجارية كانت متناقضة مع وجهات نظر موكلتها. العار حول ثروتها الموروثة يعني شعورها بأنها عالقة في حياتها وغير قادرة على فعل أي شيء مثمر بالمال. وشجعت الدكتورة موني موكلتها على استكشاف الشركات التجارية للعائلة. وعند قيامها بذلك، اكتشفت الوارثة أن جد الجد، مؤسس الأعمال، قد خصص قطعة أرض لتظل بمنأى عن تجار الخشب. ساعد هذا العميلة على دراسة سبل تساعد بها الشركات العائلية في مواجهة الآثار البيئية السلبية لقطع الأشجار. وتقوم مللي برايس بتدريب المعالجين والمخططين الماليين على تحديد المشكلات السلوكية المترتبة على المال وكذلك رؤية الأفراد. وتعتقد أن كثيرا من الناس ينسفون نجاحهم المالي لأنهم يشعرون بعدم الارتياح تجاه الثروة. وأحد زبائنها من أصحاب المشاريع وسبق له أن جمع المال وخسره مرات عدة. وتقول برايس إن سلوكه تأثر بسبب والديه اللذين كانا ليبراليين من الناحية الاجتماعية ومناهضين للمؤسسة المهيمنة ولم يهتما بقيمة الثروة. ورد فعله على قيم والديه هو الذي يحرك مساعيه في تأسيس تجارة رابحة، لكن في الوقت نفسه تشرَّب موقفهما من المال في داخل نفسه ولا يعتقد أنه ينبغي له امتلاكه.
وتقول إنها تعمل مع الأزواج كثيراً، لأن "معالجة الأزواج عادةً تخفف الألم حول المال". وبشكل عام تقول إنها تعالج أزواجاً يقوم أحدهم بإنفاق المال، بينما الآخر يدخره: "قد يفعل المنفق ذلك بدافع الحب التعويضي – فقد ينبع سلوكه من فطرته بسبب خلفيته في الاعتقاد بأن من يحبني، يجب أن يحضر لي أشياء وبالتالي يدرك أيضا حسب اعتقاده، أن تقشف الطرف الآخر يعبر عن عدم وجود الحب". وبمجرد أن يفهم الأزواج سلوك بعضهما البعض "يدركان أن الطرف الآخر، لا يفعل شيئاً لإلحاق الضرر برفيقه".
ومعدل سعر ساعة عمل اختصاصي علم النفس المالي تراوح بين 175 دولاراً و500 دولار، أو نسبة مئوية من أصول العميل - على الرغم من قول برايس إن لديها مقياس أسعار متحرك لذوي الدخل المتواضع، إلا أنها تضيف: "إذا قال شخص ما إن الأسعار باهظة عندها اسأله: هل فكرت كم تبلغ تكاليف الطلاق"؟