جاء المنصف المرزوقي إلى مقر المجلس الوطني التأسيسي ليؤدي اليمين الدستورية بدون ربطة عنق كما اعتاد التونسيون من رجال النخبة المتأثرين بالنموذج الغربي، وإنما ارتدى بدلة عادية وَشّحَها بشارة على صدره لصورة شاب قال المرزوقي انه «شهيد من شهداء ثورة الكرامة، وقد قدمتها لي والدته وقالت لي أرجو أن لا تنزعها من صدرك وانت تتقدم الى منصب الرئاسة».
و كعادة البدو في تونس التحف المرزوقي بالبرنوس.
واختار المرزوقي أن يكون برنسه ذا لون وبري، أي قريب من لون وبر الإبل في مناطق الجنوب التونسي التي لايزال أهلها يحافظون على عادات وتقاليد البدو، وخاصة في منطقة دوز (520 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة) حيث مضارب قبيلة المرازيق التي ينتمي اليها، وهي قبيلة عربية أصلها من بدو نجد حلوا بتونس في إطار الحلف الهلالي الذي غزا بلاد إفريقيا (الاسم القديم لتونس) في بدايات القرن الحادي عشر ميلادي.
ولايزال المرازيق في دوز التونسية متمسكين بعادات أجدادهم من نسج الخيام وتربية الإبل والخيول وسباقات الهجن التي يطلقون عليها اسم المهاري و من الصيد بكلاب السلوقي في الصحراء، وإعداد خبز الملّة، وهو خبز تقليدي يتم انضاجه تحت الرمال بعد ان يشعلوا النار فوقها.
و يعرف عن المرازيق ان الواحد منهم يحمل اسما عائليا عادة ما يلحق باسم القبيلة ومن ذلك ان الرئيس التونسي الجديد يحمل اسم محمد المنصف بن محمد البدوي المرزوقي، والبدوي اسم الاسرة التي تعتز ببداوتها وجذورها الضاربة في اعماق الصحراء العربية.
وما يعرف عن د. المرزوقي انه لايزال يحافظ على تقاليده البدوية المتوارثة رغم انه ولد في شمال البلاد، وتحديدا في مدينة قرمبالية التي لاتزال إلى اليوم حاملة لاسم معمّر فرنسي كان يهيمن على مزارع العنب و الحوامض و الزيتون فيها. وعاش المنصف سنوات عمره متنقلا بين العاصمة تونس والمغرب وفرنسا ومدينة سوسة الساحلية التونسية التي كان يعمل مدرسا للطب في جامعتها.
ويقول اخصائي علم النفس التونسي فتحي الجراي ان «د. المنصف المرزوقي حضري بقلب بدوي (في إشارة إلى عيشه في الحاضرة).. ورغم ذلك ظل يكتنز قيم اصوله الجنوبية ولذلك نراه متخلقاً بأخلاق أهل الصحراء كالوضوح و الجرأة و الشهامة».
ومما لا يعرفه الكثيرون عن المرزوقي حبه للتراث الشعبي البدوي الأصيل وميله الفطري ألى الشعر وتعلقه بالطبيعة، ورغبته الدائمة في الخروج إلى الأرياف والبوادي، و ضعفه أمام العجائز من كبار السن اللواتي يرى فيهن صورة والدته التي كانت تعمل دون أي كلل وشكوى، وعاشت معاناة كبيرة أيام كان والده يعمل مع المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي ثم في تيار الزعيم صالح بن يوسف ضد الحبيب بورقيبة.
مدافع عن العربية
ويعتبر المرزوقي من اكبر المدافعين عن اللغة العربية والرافضين للهجين اللغوي المعتمد لدى النخب الفرانكوفونية في تونس وخاصة في العاصمة والمدن السياحية.
وهذا الموقف يجعل وصوله الى سدة الحكم في قصر قرطاج اعلانا عن دخول تونس عصرا جديدا يعيد الاعتبار للهوية العربية الاسلامية، ولثقافة المناطق الداخلية و للغة الوطنية، ولقيم البداوة التي لاتزال صامدة رغم الحرب المعلنة عليها منذ اكثر من 50 عاماً.