14 شباط 2014
تسير أحداث مسلسل "حبيب ميرا" على قناة MTV برتابة تُحسب له. فمن النادر أن تقع على مسلسل كوميدي هو أقرب إلى حلقة واحدة، تتكرر أحداثها مع بعض التعديلات الطفيفة التي لا تصنع فارقاً يُذكر.
ميرا (داليدا خليل) إبنة مدللة لسفير لبناني يقيم في لبنان (كان الظن أن السفير يسافر)، هي مصابة بعقدة السرقة، يمكن علم النفس أن يخبرنا الكثير عن ذلك، لكن الحبكة لا تبدي اهتماماً بسيغموند فرويد، أو كارل يونغ، أو سواهما من آباء علم النفس. على العكس مما سبق، يذهب المسلسل نحو السخرية من الأساليب المختلفة للتحليل النفسي، يحق له ذلك إذا اقترن السعي باتقان وإقناع. هنا مربط الفرس، وخصوصا أن اختيار العمل نماذج ممثليه جاء ليعزز الحاجة للسايكولوجيا. الجميع أصحاب شخصيات مهزوزة: ضابط الشرطة، السفير، مدبرة المنزل، الطاهية، أما الطبيب فيحتاج إلى "كونسلتو" أطباء حتى يمكنه الإستمرار.
ميرا تسرق كل ما تطوله يدها، يسقط في يد والدها فيكلف الشرطة المسقوط في يدها أصلاً أن تراقبها، تتعثر عملية المراقبة لأسباب يصعب تبيانها، يرتبك الجميع فيما تحافظ يد ميرا على براعتها، ثم تدور الحلقات مفرغة من أي مفاجأة ولو في سياق المصادفة.
حبيب (زياد برجي) هو حبيب أمه، وهو تحرّ يكون عليه مراقبة ميرا التي يغرم بها. الواضح أن برجي ينفذ تعليمات المخرج بحذافيرها، لكن الواضح أيضاً أن المخرج نسي إخباره أن عليه تفعيل أدائه، والخروج، وإن جزئياً، من حيز الحيرة والصمت والإرتباك الذي ظل خاضعاَ له طوال الحلقات بسبب أو بدونه، زياد بدا فناناً ملتزماً مقولة أن خير الكلام هو ما قل وإن لم يدل.
الشخصيات الباقية ظهرت أقرب إلى الكومبارس، والدا حبيب المتنازعان دوماً، شريكة التحري الحائرة بين نهمها ولياقتها الجسدية، الجار العجوز الفائض عن حاجة الدنيا، وحدها ميرا كانت تتألق نشلاً واختلاساً، فيما يكتفي التحري بابتلاع الريق والحروف، لكن "حبيب ميرا"، لغايات في نفوس القيمين عليه، قرر أن يجعل من كل المشاركين فيه اصدقاء لبطلته، فصار العبء ثقيلاً، حتى أعياها النهوض به.
بديلاً عن علم النفس يحاول المسلسل اعتماد قواعد الفيزياء: لكل فعل رد فعل يوازيه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، لكن خللاً ما يطرأ على المعادلة، إذ تأتي الأفعال في معظمها من ناحية الممثلة التي يُعمل على تكريس نجوميتها، فيما يلوذ الآخرون، كل الآخرين، بحالة من انعدام الجدوى. ثم يتجه العمل نحو معادلة رياضية: مراكمة الأحداث قد تصنع الفرق، فيحضر الكم في سياق تغافل مقصود عن النوع الذي هو جوهر اللعبة الدرامية، وحدها الكيمياء تغيب عن المشهد، مع أن خلطتها السحرية هي التي تصنع الكوميدية الحقيقية.
ثمة لهاث واضح تعانيه الكاميرا، هو ناجم عن سعي حثيث لرأب الصدع الفادح الذي تسبب به النص. محاولات متعثرة مارستها الصورة لردم الهوة الناشئة عن ضآلة الأحداث وغياب المفارقات الصادمة. مشاهد خارجية، مطاردات شارعية، تمحور كل ذلك حول طفلة المسلسل المدللة التي بدت كما لو أن العمل قد خُلق لأجلها، لكنه اساء إليها وأساءت إليه، لتغدو الإساءة الحقيقية من نصيب المشاهد.
ثمة ما يبرر الظن أن التجربة السابقة بين الثنائي داليدا وزياد في مسلسل "حلوة وكذابة"، قد شجعت على الوصول إلى "حبيب ميرا". يكاد العمل الحالي أن يكون استنساخاً فاقد الحيوية للعمل السابق، لهذا قد لا يجد المعنيون مبرراً لكل ما سبق قوله إذا أمكن للمسلسل أن يحقق قبولاً جماهيرياً، وأن يجد طريقه الى الشاشة الكبيرة إسوة بسابقه، هذا رأي جدير بالنقاش، لكنه محكوم بالمضي نحو المربع الأول، حيث تطرح أسئلة مستعادة عن مشروعية الإتكاء الحصري على تناسق الأجساد الأنثوية، وتناسب الملامح الفاتنة
في استنهاض مزعوم للدراما اللبنانية. والبديهي أن تأتي الإجابة مخيبة للأمال، ذلك أن في وسع داليدا خليل بمفردها، أن تتحول، إذا أرادت، حدثاً جماهيرياً صاخباً، دونما حاجة إلى انتاج وسيناريو وإخراج وكومبارس، وأصدقاء أيضاً!