بعد ستة عقود، من ثورة 23 يوليو 1952م، التي قضت على الملكية، وبعد عام واحد من ثورة 25 يناير 2011م، والتي قضت على الديكتاتورية، ومع اقتراب موعد فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر، في العاشر من شهر مارس 2012م، لا يكف المصريون، عن الحديث عن المواصفات التي يحلموا بها في الرئيس القادم لمصر.
وفي محاولة منها لقراءة هذه المواصفات، استطلع موقع "المسلم" آراء عددٍ من الخبراء والمحللين المصريين، المتخصصين في القانون، والسياسة، والتاريخ، وعلم النفس والإعلام، والشئون الأكاديمية وناشط سياسي، حول الصفات الواجب توافرها فيمن يستحق عن جدارة أن يكتب عنه التاريخ أنه "أول رئيس لمصر بعد ثورة 25 يناير".
وينتظر المصريون من الرئيس القادم، الكثير والكثير، خاصة بعدما عاش الشعب الثلاثين عامًا الماضية في خضم العديد من المشاكل، أبزها: غول البطالة الذي أوشك أن يفترس الشباب، وقلة الدخول، وغلاء الأسعار، وعدم توافر المساكن الاقتصادية، فضلا عن الفقر الشديد الذي يضرب أكثر من 50 % من السكان، وانتشار العديد من الأمراض، في ظل غياب الرعاية الصحية لمحدودي الدخل، مع انتشار العشوائيات، وزيادة معدلات الجريمة، فضلا عن الانفلات الأمني، والتدهور الاقتصادي، الذي زادت حدته منذ اندلاع الثورة وانتشار المطالب الفئوية، والإضرابات، التي عطلت عجلة الإنتاج.
وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، قد أصدر في 30-1-2012م مرسوماً بقانون لتعديل بعض أحكام القانون رقم 174 لسنة 2005 لتنظيم الانتخابات الرئاسية دون عرضه على مجلس الشعب. ونصّ القانون على أنه يلزم لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم للترشيح 30 عضواً على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى، أو أن يحصل على تأييد ما لا يقل عن 30 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، بحيث لا يقل عدد المؤيدين في أي من تلك المحافظات عن 1000 مؤيد، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يكون التأييد لأكثر من مرشح.
وتضمنت نصوص القانون أن لكل حزب من الأحزاب السياسية التي حصل أعضاؤها على مقعد على الأقل بطريق الانتخابات في أي من مجلسي الشعب والشورى في آخر انتخابات أن يرشح أحد أعضائه لرئاسة الجمهورية.
وكان الإعلان الدستوري الصادر في 30-3-2011م، قد حدد ثماني صلاحيات للرئيس أبرزها "تعيين الأعضاء المعينين في مجلس الشعب، دعوة مجلسي الشعب والشورى لانعقاد دورته العادية وفضها والدعوة لاجتماع غير عادي وفضه، حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، تمثيل الدولة في الداخل والخارج وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفاؤهم من مناصبهم، تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم على الوجه المبين في القانون، واعتماد ممثلي الدول الأجنبية السياسيين".
وقد أعلن عددٌ من المصريين نيتهم الترشح للرئاسة بمجرد حلول الموعد الرسمي (10-3-2012م)، أبرزهم: عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية السابق، ومحمد سليم العوا، الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعبد المنعم أبو الفتوح، الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، وحازم صلاح أبو إسماعيل، المحامي والداعية الإسلامي، وهشام البسطويسي، نائب رئيس محكمة النقض، وأحمد شفيق، رئس وزراء مصر الأسبق، وعبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير خارجية مصر، وحمدين صباحي، رئيس حزب الكرامة.
يشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين، قررت عدم خوض الانتخابات الرئاسية المصرية، الأولى بعد الثورة، وعدم دعم أي عضو من أعضائها للمنصب، وإن ترشح مستقلا. وقد أعلن مرشدها محمد بديع أن الجماعة لا تعارض ترشح المرأة أو القبطي لمنصب رئيس الجمهورية، ولكن لن ترشح الجماعة عنها - في المرات المقبلة- امرأةً أو قبطيًا للمنصب.
ألا يكون عسكريًا أو من الفلول
في البداية يؤكد الخبير القانوني الدكتور السيد مصطفى أبو الخير، أن "أهم المواصفات التي يجب توافرها في الرئيس القادم، هي: "أن يكون مدنيًا، وألا يكون عسكريًا في الخدمة أو على المعاش، وأن يكون من خارج منظومة الفساد السابقة، التي تربت في مستنقع التبعية للغرب والفساد، وأن يكون حازمًا حاسمًا، يفرض هيبة الدولة في الداخل والخارج".
ويقول أبو الخير، الخبير المتخصص في القانون الدولي والعلاقات الدولية، في تصريحات خاصة لـ"المسلم": "أن يمتلك رؤية وطنية واضحة، عن الوضع الداخلي في مصر، وفى محيطها الإقليمي والدولي، وأن يعرف جيدًا ميزان القوى، في الداخل والخارج، محليًا وإقليميًا وعالميًا، وألا ينتمي للنظام السابق، من قريب أو بعيد، وأن يمتلك رؤية مستقبلية شاملة".
ويضيف أبو الخير، المحامى بالنقض والدستورية العليا، قائلاً: "كما أفضل أن يكون الرئيس القادم صاحب توجهات إسلامية، أو على الأقل يكون لديه خلفية إسلامية كبيرة، تمنعه من الوقوع في براثن التبعية للغرب"، مختتمًا بقوله: "وأعتقد أن أحدًا من المرشحين للرئاسة لن يستطيع حسم المعركة من الجولة الأولى"، متوقعًا أن "تكون الإعادة بين المرشح الذي ستدعمه جماعة الإخوان، وحازم أبو إسماعيل".
يجيد التعامل مع الليبراليين
متفقًا مع سابقيه، يعتبر الخبير المصري الدكتور أحمد عبد الحميد، أن "ثمة أمور كثيرة ينبغي أن تتوفر في الرئيس المرتقب لمصر، وبعض تلك الأمور قد يُتَجاوَز عنها، في غير تلكم الظروف التي تمر بها البلاد الآن، وأول تلك الأمور، المهارة غير المعتادة، والذكاء الحاد، ورباطة الجأش، والقدرة على التحكم في النفس، وعدم الانفعال أو الاستدراج إلى الاستفزاز، والقدرة على مراوغة الأعداء".
ويقول، عبد الحميد، الباحث المتخصص في الدراسات التاريخية، في تصريحات خاصة لـ"المسلم": "ثاني تلك الأمور أن "ينال ثقة التيارات الإسلامية؛ لأن نتائج الانتخابات السابقة أكدت أنه لن يستطيع أي مرشح مهما بذل من جهد أن يصل للفوز إلا إذا وقفت خلفه داعمةً التيارات الإسلامية".
وتابع: "وأن يؤمن بالإصلاح والتغيير المرحلي، كي لا يصطدم بأهواء الناس في الداخل والخارج، والبلد التي اختلت موازينها السياسية والاجتماعية والتعليمية والخلقية على مدى قرنين أو يزيد صعب اقتلاع مفاسدها دفعةً واحدة، ولنتذكر حال مصر يوم ورثها صلاح الدين الأيوبي من الفاطميين، إذ لم تستطع أن تتخلص من تبعات الحكم الفاطمي إلا بعد جهد جهيد".
"ورابع تلك الأمور – يكمل عبد الحميد- أن يتسم الرئيس القادم بالإضافة إلى رضا الإسلاميين، بالحنكة في التعالم مع العلمانيين، فلا يترك لهم المجال للثورة عليه، لأن الأحداث الأخيرة أثبتت أن عندهم من الجرأة، وعدم الورع والخوف على البلاد، ما يدفعهم لحرقها دون باكٍ عليها، أو متألمٍ لها، وهم على استعداد لأن يشعلوا كل يومٍ نارَ الفتنة في حي من الأحياء، ولذلك يحتاج الرئيس القادم ليتعامل معهم إلى أمرين: الشدة مع الدهاء، والقدرة على عدم الصدام بهم".
عادل حازم متزن موضوعي
ومن جهته، يعتبر الخبير النفسي، الدكتور أحمد محمود السيد، أن "المواصفات الواجب توافرها في الرئيس القادم لمصر بعد الثورة، هي على الجانب الخلقي (استشعار المسئولية ـ عدم الاستعجال لاسترضاء الناس ـ متواضع ـ شهم)، وعلى الجنب الشخصي (القدرة على القيادة ـ التطلع المستقبلي ـ السمو الفكري ـ العدل - الموضوعية ـ الانتماء للوطن ـ العزم والحسم ـ الطموح اللا نهائي ـ التوافق النفسي ـ الأسلوب الحضاري ـ العطاء المستمر ـ الاتزان الانفعالي).
ويقول محمود، مدرس علم النفس التربوي، بكلية التربية ـ جامعة المنيا، في تصريحات خاصة لـ"المسلم": "وعلى الجانب البدني، لابد أن يمتاز بـ(بدن صحي ـ صوت جهور- القدرة على تحمل الضغوط)، وعلى الجانب الاجتماعي، لابد أن يمتاز بـ(الود - العطف - لين القلب مع شعبه- القسوة مع الأعداء - يعرف مشاكل الناس – يستشعر آلامهم – يعرف احتياجاتهم الضرورية)، وعلى الجانب العقلي، لابد أن يكون (صاحب عقل ذكي ـ إتقان عبقري ـ تفكيره علمي ـ قادر على الإبداع في حل المشكلات ـ مرن العقل).
ويضيف: "وعلى الجانب الوظيفي، لابد أن يمتاز بـ(الانضباط ـ لديه دراية بحجم المسئولية الملقاة عليه – يعرف دوره كرئيس ـ يدرك واجباته تجاه ربه ووطنه وشعبه ونفسه ـ موجه ومرشد ليس محاسبًا ومتصيدًا للأخطاء ـ يستطيع إدارة فريق العمل أكثر من علمه بوظيفة كل وزير، فليس المطلوب أن يعرف تفاصيل الوظيفة فلكل اختصاصاته".
ويختتم محمود قائلاً: "ولابد أن يكون لديه دراية بالشئون الداخلية والخارجية ـ يضع الأمن ثم التعليم ثم الاقتصاد في مقدمة أموره، وأيضا الاستعداد الوظيفي ـ التفوق في الأداء ليس كسولاً ـ لديه ثقة بنفسه ـ فنان في التعامل مع الأمور ـ يراعي الفروق الفردية بين الناس، فليس الكل يحاسب بنفس المنطق، فلكل فرد ظروفه ـ وأن يكون مرجعًا للجميع".
يمتلك برنامجًا واضحًا
أما الكاتب الصحفي والمحلل الإعلامي، عبد الرحمن سعد، فيرى أن "الصفة الأولى من الصفات التي يجب توافرها في الرئيس القادم لمصر بعد الثورة، هي أن يحظى بإجماع أكبر قدر من المصريين، وأكثر عدد من أصوات الناخبين، وهذا أمر مهم، في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ مصر، لأنه يجمع بذلك شمل المصريين، ويوحد كلمتهم، كما يقوي ظهره في الأداء، وعند اتخاذ أي قرار".
ويقول سعد، الرئيس المناوب بقسم التحقيقات الصحفية بجريدة "الأهرام"، في تصريحات خاصة لـ"المسلم": "كلما كان الإجماع عليه أكثر، كان ذلك أفضل، وذلك حتى يتجنب المصريون خطر التشرذم والانقسام، وكي يحظى هو نفسه بأكبر قدر من الشرعية الشعبية، فيكون ذلك سبيلا إلى تماسك الدولة، ووحدة الشعب، وقوة الأداء".
ويضيف: "الصفة الثانية، التي يجب أن تتوافر فيه، أن يمتلك برنامجًا واضحًا، بجدول زمني محدد، وأولويات للاهتمامات، يقدمه للشعب، ويراعي أن يعالج المشكلات الأساسية التي تعاني منها مصر، ويوضح سياساته في علاجها، وجدة أفكاره للنهوض بالوطن".
وتابع: "الصفة الثالثة، أن يعلن استعداده لخفض مخصصات رئاسة الجمهورية، إلى أقل حد، وأن يعلن للشعب راتبه، ومخصصاته، بمنتهى الشفافية، وأن يعلن خفضها إلى الحد الأدنى، وأن يعلن عودة قصور الرئاسة، واستراحاتها في مختلف المحافظات إلى ملكية الشعب، ويتبنى خفض الإنفاق الحكومي، ويحاول القضاء على الفساد الإداري بشتى السبل".
ويختتم سعد المواصفات بقوله: "ومن المهم كذلك أن يستوعب استحقاقات الثورة، وأن يعمل على تلبيتها، واحدًا بعد الآخر، وصولاً إلى إحداث التغيير الشامل في الدولة، وإرساء دعائم دولة القانون والعدل والمساواة والتقدم".
صاحب رؤية مستقبلية
ويشير الصحفي والمحلل السياسي، مجدي داود إلى أنه: "لابد أن يتسم الرئيس القادم بعدة صفات أهمها: أن يكون أمينًا، يتبنى خيار الشعب الذي أفرزته الانتخابات البرلمانية، وهو المنهج الإسلامي، فإن أي شخص يتقدم للرئاسة وهو يعارض هذا الخيار الشعبي، ستكون فرصته ضعيفة جدًا".
ويقول داود، في تصريحات خاصة لـ"المسلم": "أيضًا لابد أن يكون شخصًا مفكرًا، وصاحب رؤية ونظرة للمستقبل، وصاحب مواقف واضحة، لأنه سيقود البلاد لمدة أربع سنوات كاملة، فيجب أن يكون ذا رؤية حتى لا يتخبط يمينًا ويسارًا، ولا تحركه العواصف والأهواء، بل يسير في الطريق الذي خطه لنفسه، واختاره على أساسه الشعب".
ويضيف: "ولابد أن يكون متسمًا بالحزم والقوة، حتى يستطيع أن يؤدي واجبه على الوجه الأكمل، ولا يكون ألعوبة بيد جهة من الجهات، أو سطوة قريب له، سواءً زوجة أو ولد أو أخ، أو حتى مستشاريه، وحتى يكون قادرًا على اتخاذ المواقف الشجاعة لحل المشاكل، واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب".
وتابع داود: "ولابد أن يكون متسمًا بالعدل، بعيدًا عن شبهات الفساد، فإن أهم ما يجب أن يحدث في الفترة المقبلة هو وقف نزيف الفساد، ولن يستطيع أن يقوم بذلك إلا رجل يُعلي قيمة العدل، ويرفع من شأنها، ويحارب الفساد والمفسدين، ويكون هذا دأبه في السابق، وبالطبع يجب ألا يكون من رموز النظام السابق، أو الذين سكتوا على الفساد، ولم يحركوا ساكنًا".
ويختتم الصحفي والمحلل السياسي، مجدي داود، الصفات التي يجب توافرها في الرئيس القادم بقوله: "الرئيس الذي يتسم بالعدل سيسعى لكي يسود هذا العدل بين فئات وطبقات المجتمع، والعمل على انتشال الفقراء من مستنقع الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية"، ملخصًا كلامه بالقول "إننا نحتاج رئيسًا يحقق فينا شعار الثورة "عيش - حرية – عدالة اجتماعية – كرامة وطنية – نهضة وتقدم".
الصورة ملتبسة تمامًا!
ومن ناحيته، يقول الباحث الأكاديمي للدكتوراه بجامعة ويستمنيستر ببريطانيا، مصطفى عبد الحليم: "بصراحة شديدة وجهة نظري أننا لا نستطيع أن نتحدث عن مواصفات رئيس صلاحياته غير موجودة، أو حتى النظام السياسي والبرلماني الذي يحكم وجوده غير موجود، بمعنى هل سيكون النظام برلمانيًا خالصًا أم رئاسيا خالصًا أم خليطًا من الاثنين، ومن ثم فإن الصورة ملتبسة تمامًا".
ويضيف عبد الحليم، المهتم بالنظام السياسي المصري، في تصريحات خاصة لـ"المسلم": "لكن على مستوى التنظير، أعتقد أن أول مواصفات الرئيس القادم ألا يكون محسوبًا على النظام القديم، لسببين: الأول الحصول على شرعية الشارع، المطالب بالتجديد في القيادة، والبعد عن ماضي قامت الثورة بسببه، ثانيًا أن يقف على مسافة متساوية من جميع الأطراف، أي يحمل قدرًا من التفاوقية".
ويشير إلى أن "رئيسًا بدون الحصول على رضا الإسلاميين، المسيطرين على البرلمان بمجلسيه، سيكون منفصلاً، عن جسد العملية السياسية، ورئيسًا منفصلاً عن غير الإسلاميين من خلال انتمائه لتوجه إسلامي خالص، أيضًا أمر خطير للغاية، خاصة من ناحية هوية الدولة، وطبيعة ارتباطها بأيدلوجية معينة، خاصة أمام الغرب".
وفي الختام، يرى الناشط السياسي، عبد الصمد خليفة، العضو بحزب "الوسط الجديد"، في تصريح خاص لـ"المسلم"، أن: "الرئيس القادم يجب أن تتوفر فيه صفتان أساسيتان، وهما: الكفاءة والإخلاص، فالكفاءة تعنى القدرة على إدارة الملفات، وتوظيف الأفراد، وإسناد الأمر إلى أهله، والإخلاص يعنى أن يتقى الله في موارد هذا البلد، لأنها لو أديرت بالإخلاص والكفاءة فستصبح مصر من أفضل دول العالم"
ـــــــــــ