''ترجمة الآداب المغاربية والإفريقية في بولندا ضئيلة مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى''
أولغا توكاركزوك، كاتبة بولندية، من الكتاب الذين حققت كتبهم رواجا سريعا وصيتا امتد إلى خارج البلد . ولدت في 26 جانفي1962، درست علم النفس بجامعة وارسو في بولندا، وتخرجت منها سنة 1985. وفي العام 1989 صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان ''مدنفيمرايا''. وفي 1993 أصدرت أول رواية بعنوان ''رحلة أهل الكتاب'' فحققت رواجا مثيرا، فتح شهية الكتابة الروائية لأولغا التي لم تلبث أن أصدرت روايتها الثانية ''إ،إ'' وهي الرواية التي اتخذت عنوانها مناسم بطلة الرواية ''إرناإلتزر''. فازت توكاركزوك بعدة جوائز أدبية داخل وخارج بولندا، ولعل أهمها جائزة نايك المرموقة في بولندا، التي فازت بها في العام 2008 بفضل كتابها ''العداؤون''. إلى جانب الكتابة الإبداعية تشارك الكاتبة في ترقية الثقافة في بلادها بشكل دؤوب، فإلى جانب العمل المهني والأدبي، هي عضو بارز في الحزب الأخضر، الذي عارض الحرب على العراق سنة 2003. ورغم تنقلها المستمر وسفرها إلى عدة بلدان لا تزال الروائية تعيش في مدينة فروكلاف في بولندا وتمارس إلى جانب الكتابة مهنتها كمختصة في علم النفس. التقت ''المحور اليومي'' بتوكارزوك في مدينة تارتو بإستونيا، حين نزولها ضيفة على مهرجان ''بريمافيستا'' الأدبي، وذلك بمناسبة تقديم روايتها ''البداية والأوقات الأخرى''، التي ترجمت إلى اللغة الإستونية مؤخرا، فكان معها هذا الحوار: في البداية،
كيف بدأت فكرة ترجمة روايتك ''البداية والأوقات الأخرى'' إلى الإستونية؟
فكرة الترجمة تعود إلى المترجم والناشر الإستوني هندري كليندابو الذي أعجب بالرواية فقرر ترجمتها لكي يطلع القارئ الإستوني عليها، أنا حقا سعيدة لهذه الطبعة، خاصة وأنها تفتح جسرا للتبادل الثقافي بين الأدب البولندي والآداب الأخرى، وللإشارة، فقد صدرت هذه الطبعة ضمن منشورات هنريكليندابو وبدعم من معهد الكتاب ببولندا. أنت مختصة في علم النفس ومتأثرة بنظريات كارليونغ في علم النفس، في رأيك، ما العلاقة بين علم النفس والأدب؟ كما سبق وأن ذكرت، فأنا مختصة في علم النفس وأجد ميلا كبيرا إلي هذا العلم، لكونه ملاذا مناسبا لتفسير الأفعال والسلوكات، ويبدو أنني أصبحت كذلك لكوني أجد المتعة في التوغل إلى سلوكات الفرد ومحاولة فهمها، ومن ثمة إيجاد تفسيرات لها في قصة خيالية مثلا، وفي هذا الشأن، يبدو أن الأدب هو وسيلة مثلى لتحويل تلك الأحاسيس والسلوكات إلى سرد قصصي، خلافا لعلم النفس الذي يحاول فهمها ومعالجتها. أعتقد في هذا الصدد أن الأدب يترجم سلوكات الفرد بشكل أوسع وأعمق، لأننا حين نسرد قصة مثلا، نجد هناك حرية وفضاء أوسع لترجمة أفعال الفرد خصوصا ما يتعلق بجانبه النفسي وتفكيره.
وهل هذا يعني أنك تفضلين كتابة القصة الخيالية التي تجدين فيها متعة السرد أكثر من نوع آخر؟
بالفعل هذا صحيح، كما أضيف أنني كمختصة في علم النفس فقد دربت نفسي على فهم سلوكات الفرد وتعودت الآن على ذلك، وحسب رأيي هذا التعود هوطريق مباشر لفهم هذه السلوكات. إن الخيال يفتح مجالات شتى للتفسير والتحليل وبالتأليف السرد القصصي يبقى دائما مرتبطا بالحالة النفسية لشخصيات وأبطال القصة. لنعد إلى أول رواية كتبتها ''رحلة أهل الكتاب'' الصادرة في العام 1993،والتي تحكي قصة حببين عاشقين خلال القرن السابع، ماهي القيم الموجودة في هذه الرواية خصوصا وأنها باكورة أعمالك الأدبية؟ - الرواية بصفة عامة تسرد قصة عاشقين يحاولان فهم معنى كتاب ''سر الحياة'' وهي الحبكة التي تطغى طوال أحداث القصة، والرواية ذاتها تحاول فهم سلوكات الإنسان من خلال هذا الكتاب الموجود في القصة والذي هو كناية عن معنى الحياة المعقد، والذي لا يخضع في الغالب لمسلمات ومعتقدات قد تفاجئ الإنسان. في الحقيقة، الموضوع أكثر من مجرد قصة حب، بل هو أيضا تأملات في الجوانب الروحية وغرائب الصدف في قصص الحب أيضا. لقد كتبت هذه الرواية منذ زمن بعيد كنت حينئذ قد تجاوزت مرحلة المراهقة بقليل، ورغم ذلك، أصارحك القول أنني لا أفضل الآن هذا الكتاب مقارنة بما كتبته فيم ابعد «تضحك». - نلاحظ أن أحد أكثر رواياتك تدور كلها في بولندا،و نذكر على سبيل المثال روايتك ''إلينا إلتزر'' التي تجري أحداثها في مدينة ووركلا فمثلا،
هل يفهم من ذلك بأنك تكتبين أدبا بولنديا محضا؟ -
بودي أن أوضح شيئا مهما في هذا المقام، صحيح قد يلاحظ القاريء أن أغلب الأحداث المتناولة في قصصي تدور في بولندا، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة بأن القيم الموجودة في القصة أو الرواية هي قيم خاصة بمنطقة أو مرتبطة ببلد معين. أنا أركز على العالمية في كتاباتي، عالمية القيم والمباديء المشتركة،فرغم الإعتماد على قرى أو مدن بولندية في نصها، إلا أن الإرتباط بالحدث لا يجعلك تشعر بالمكان كعنصر منفصل عن أهمية الموضوع المتناول، هناك ارتباطا عضويا بين طريقة السرد وعالمية القيم المستوحاة، أقصد أنه بإمكانك أن تعيش أحداث القصة في مكان ما إلا أنك كقاريء تشعر أن هذه الأحداث لا يستبعد أن تحدث في أي مكان في العالم، وممكن في الجزائر أيضا... أضيف أيضا أن النص القوي يفرض قيمه في الأخير بغض النظر عن مكان الأحداث، تلك إذن مسألة ترابط وتسلسل الأحداث وفق أمكنة وأزمنة منتظمة تزيد من متانة النص والسرد. خلال معرض الجزائر الدولي للكتاب للعام المنصرم (2012)، كان من بين الحضور المترجمة البولندية أقنيسز كابيوترفوسكا، والتي أكدت أن هناك العديد من الروائيين الجزائريين الذين ترجموا إلى البولندية، ما تعليقك على ذلك؟
صحيح، حاليا هناك اهتمام ملحوظ بترجمة الآداب المغاربية والإفريقية إلى اللغة البولندية، إنه لمن المهم جدا أن تتفاعل الآداب وتترجم من لغة إلى أخرى، طبعا هذا رائع جدا. إلا أنني أتأسف لكون هذه الترجمات، لا تزال ضئيلة في بولندا إذا ما قارناها مثلا بنظيرتها في هولندا، حيث تخصص ميزانيات ضخمة لترجمة الآداب الإفريقية والمغاربية وغيرها، كما توفر هنالك إمكانات كبيرة للمترجمين لتحقيق هذا الغرض. ورغم حداثة التجربة في بولندا، أؤكد لك أنني سعيدة لما آل إليه المشهد الثقافي في بلادي، حيث تشهد بولندا منذ السنين القليلة الماضية غزارة الإنتاج الثقافي الأجنبي المترجم، وهو لاشك يبين أننا في الطريق الصحيح.
تستعد مدينتك ''فروكلاف'' لتلبس حلة عاصمة الثقافة الأوروبية لسنة 2016، ما تعليقـك؟
أنا سعيدة جدا بهذا العرس الثقافي كأي مثقف أو مواطن بولندي عادي، أتمنى أن تكون هذه المناسبة فرصة للإبداع والصداقة ووحدة الثقافات والآداب والفنون، تلك مناسبة كبرى للانفتاح والتبادل الثقافي، وترقية الترجمة وتوحيد الثقافات، أنا متأكدة أن بولندا بتاريخها وحضارتها ستستقبل الحدث بكل ثقة وهي أهل لهذا الشرف. في الأخير، هل قرأت لأحد من الكتاب الجزائريين؟ للأسف لا، إلاّ أنني لا شك أن أستمتع بذلك لأن الجزائر كان لها دورا كبيرا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكذا نضالها من أجل الاستقلال، وأعتقد أن لهذا البلد أدب زاخر أصلي يمكن القارئ من التعرف على المجتمع الجزائري عن قرب، كما أذكر أيضا في هذا المطاف أن هنالك علاقات جيدة تربط بين بولندا والجزائر يعود أمدها إلى سنين طويلة. شكرا لك على الحوار.
بل كل الشكر لكم، سلامي لكل جزائري.
حاورها في إستونيا: حمزة عماروش