هدى بنت مبارك العريمية:-- «يشبه الناس شبابيك الزجاج الملونة، يشعون عندما تشرق الشمس ولكن حينما يحل الظلام، يظهر جمالهم فقط إن كان نابعا من الداخل»
اليزابيث كوبلير روس
وبذا بات جوهر الإنسان وداخله أهم ما يجب الاهتمام به.. فكلما كان الجوهر سليما ويهنأ بصحة نفسية كان معطاء ومحبا .. لذلك جاء علم النفس وتوالت بعدها النظريات التي تهتم بسبر أغوار الإنسان وتحليله ومن ثم الأخذ بيده لما يصبو ليكون نافعا له.. إيمانا منهم أنه كلما أبكر العلم في ذلك كانت النتائج أكثر مجدية .. وبهذا لا يخفى على أحد هرم ماسلو للحاجات النفسية والذي شرح فيه كيف أن لكل فرد في هذه الحياة مجموعة من الحاجات التي يجب تلبيتها كما أن كل حاجة تمهد للأخرى وإذا ما وجد عطل أو خلل في احدهما سيحدث مشكلة ما ينبأ عن هذا الخلل.
وقد قسم ماسلو الحاجات إلى قسمين في هرم متدرج أولهما أساسية وهي (الفيسولوجية) التي تخص داخل الفرد نفسه وقد اعتبرها الأساسية والمهمة ويجب الاهتمام بها وإشباعها أولا لتأتي بعدها الحاجات الثانوية وهي مجموعة من الحاجات التي تختص بتفاعل الفرد مع البيئة والمحيط الذي حوله والمتمثلة في (الحاجة للطمأنينة والأمان،الحاجة للانتماء والجماعة،الحاجة للتقدير والاحترام، الحاجة للمعرفة، الحاجة لجمال، الحاجة لتحقيق الذات).
وحتى نجمل فهم أسس حاجات هرم ماسلو في أنه قد لا نستطيع أن نبدأ بتعليم الطفل وتقديم له المعارف والعلوم إذا ما تأكدنا أن حاجاته الأساسية (الأكل الشرب والنوم والصحة) ملبية ومشبعة.. وحاجاته الثانوية أيضا مشبعة بدء من انه مستقر نفسيا فلا يشعر بالخوف من أي سبب ما في البيئة التي هو فيها أو المجموعة التي ينتمي إليها كما انه عضو فعال في جماعته وليس منطويا أو يميل للعزلة والوحدة مما يجعل تقديره لنفسه يكون مرتفعا فيدفعه للبحث عن المعرفة وحب الاطلاع وتقبله للمعلومة.. ومن هنا يظهر تفاوت مستويات الأطفال وفروقهم الفردية الناتج من تفاوت إشباع الحاجات النفسية لديهم وفق هرم ماسلو.
وقبل البدء في تفاصيل الحاجات النفسية لهرم ماسلو دعونا نتعرف على معنى لفظ الحاجة أولا والتي جاءت وفق مختصر تعريف فروبل للحاجات بأنها افتقار مادي أو معنويا وقد يرتبط بمفهوم الحاجة مفهوم الصحة النفسية والتي تعرف على أنها إعداد الطفل بطريقة يتوافق فيها مع نفسه والآخرين نفسيا وانفعاليا واجتماعيا،هذا الفرد الذي يراه أفلاطون انه اجتماعي بطبعه ولا يستطيع أن يعيش وحيداً .
ومن الجدير بالذكر إن عدم تلبية أي حاجة لدى الطفل تولد العنف أو العدوان أوالتبول اللاإرادي أو الانطواء أو الهروب أو الانعزال أو ضعف الشخصية..
وإذا ما بدأنا بأول حاجة من حاجات الإنسان وفق هرم ماسلو وهي التي تسمى الحاجات الأساسية الفسيولوجية (الحاجة للطعام والشراب والنوم..) والتي يجب أن يهتم المربي أو المعلم بأنها مشبعة قبل البدء في أي أمر ما..فقد يعيق عدم تناول الطفل لإفطاره رغبته في المشاركة أو تقبل المعرفة وقد يجعله عدوانيا وفي مزاج غير معتدل..
لتأتي بعدها الحاجات الثانوية وهي التي تعني بتفاعل الفرد مع البيئة وتبدأ (الطمأنينة والأمان الداخلي) لدى الفرد والتي يكتسبها الطفل من البيئة المحيطة به وأولهما محيط الأسرة فكلما كانت الأسرة مستقرة عاطفيا تمتاز بالهدوء والديمقراطية في التعامل تنتهج الطرق الحديثة في حل النزاعات والمشاكل وسلوكيات الطفل كلما كان الطفل أكثر أمنا وطمأنينة ولكن إذا ما كثر نزاع الوالدين أمام الأطفال و طالت مدة غياب الأب أو الأم عنه سواء بالانشغال أو الأعمال مما يساعد على سطو الفراغ العاطفي في نفسية الطفل الذي يفرض عليه التعامل مع العاملة أو إدمان التلفاز الذي يشجعه للانطواء والعزلة.
كما أن زيادة قلق الوالدين على مستقبل الطفل وتخوفهما الزائد عليه مما يزيد من القيود التي تحد من حركته وانطلاقه للعالم الخارجي وممارسة فطرته في حبه للاكتشاف والاطلاع .
كما أن العقاب المباشر للأطفال على خطئهم دون تعريفهم مسبقا بالضوابط والقوانين التي يجب أن يبتعها يغرس في الطفل الخوف والجزع الدائم وقد يظهر جليا إذا ما عاش الطفل مع والدين منفصلين تتفاوت تربيتهم وقوانينهم ومساراتهم.. مما يجعل الطفل غير متزن في شخصيته ميال للكذب .
وبذلك حتى نحقق مبدأ الطمأنينة والأمان لدى الطفل لابد من الرفق في التعامل معه فهو يتعلم منك ويجرب لكي يكتسب خبراته منك.. فيجب امداده بالخبرة التي يحتاجها دون فرضها عليه فقط فالمربي والمعلم هو الموجه والمرشد له في سلوكياته متحليا خلالها بالصبر الطويل معه .
كما أن الاهتمام به وتفقده بين الفينة والأخرى وترك له مساحات من الوقت للإنصات له ومشاركته همومه ومحاولة إيجاد الحلول دون تأنيبه أو إشعاره بأنه قد أجرم ووجب عقابه يجعل من أمر التواصل مستمرا وفعالا كما أن العدالة في التعامل وفق الشخصية ووفق حاجته فيكون الاعتناء بالأطفال ((ذوي الاعاقة) أكثر لحاجته..لها أهمية في غرس الأمان وحب الآخرين..
وإذا ما تطرقنا لدور المدرسة والمعلمة وجدنا أن دورهما مكمل لتوسيع فضاء الأمان في نفسية الطفل فالأمان يبدأ من البيئة المدرسية في حالة وجود مبنى مدرسي أو روضة في مكان آمن بعيد عن الخطر إضافة للى احتوائه لمقومات الأمن والسلامة بعدم وجود جدار منهار أو أسلاك تحيط بالمكان أو في مكان صناعي وبقرب وادي كما أن توفير مواصلات للأطفال لإحضاره منذ الصباح الباكر له أهمية في بث الطمأنينة للطفل في بداية اليوم.
ومما يوجد الأمان لدى الطفل أكثر هو وجود برنامج يومي ثابت يسير عليه الطفل في الروضة أو المدرسة وإذا ما تعمقنا إلى أسلوب المعلمة نفسها سنلاحظ أن عدم حمل العصا للأطفال ورفعها في وجههم أو تأنيب الأطفال الآخرين بطرق مؤلمة والاعتماد على قوة الشخصية والقوانين والأنظمة وتفعيل مبدأ الوقت بوجود ساعة الحائط والساعة الرملية والحرص على مدح الطفل أمام والديه لها أهمية كبيرة في التعامل مع الطفل براحة دون وجود خوف وقد يبدأ ذلك باليوم الأول من الدوام الرسمي حين نجد أن كل طفل متشبث بأمه لا يريد مفارقتها كما انه لا يشعر بحبه للمكان فإذا ما تمت الأسرة بتهيئة الطفل قبلا بزيارة المدرسة أو الروضة قبل بدء العام الدراسي لتنشأ عنده روابط من المحبة والألفة للمكان فكل مجهول مخيف ومروع ومن ثم مساعدته في الاستعداد للمدرسة أو الروضة بجعله يختار أدواته ومواده وإذا ما دخل الروضة أو المدرسة وجد المعلمة تحتضنه بابتسامة بعيدة عن العنف والصراخ والنزاع مخصصة له بيئة مليئة بالألعاب والمبهجات والفعاليات التي تستقبله وتمهده للتعرف على المكان وعلى أصدقاءه ليقلل ذلك من خوف الطفل وتشبثه بأمه وإذا ما أصر على بقائها معه نسمح لها ببقائها ومشاركتها له الفعاليات لتبدأ بعد وقت قصير بالانسحاب رويدا رويدا وقد يستمر على مدار أيام حسب شخصية الطفل وسرعة اندماجه.
ثانيها (الحاجة إلى الانتماء والمحبة وروح الجماعة): وهي تبدأ أيضا من الوالدين اللذين يغرسان في الطفل أنت مقبول وأنت محبوب ويحرصان على توفير احتياجاته فتنمية القبول لديه دائما ما تكون بالحوار الدائم واستشارته وأخذ اقتراحاته وبشكره عليها والتقرب منه ليكون صديقك أكثر من ابنك كما أن تكليفه بمهام مختلفة والاعتماد عليه فيها وغض البصر عن القصور الذي لديه فلا انتقده أمام أصدقائه ولا ألزمه بما لا يستطيع ولا أقارنه بغيره ولا أفرط في حمايته يساعده على إحساسه بمسؤولية وانه مسؤول عن نفسه، كما أن تشجيعه على اللعب الجماعي والاختلاط وإقامة علاقات وصداقات كثيرة يجعله يشعر بالثقة والراحة مع العلم أن تركه ينعم بالوحدة لبعض الوقت يحتاجها تماما كما يحتاج للجماعة.
وإذا ما أتينا للمعلم فنجد أن احتضان المعلم للطفل أثناء استقباله لها أهميه في إشعاره بأنه محبوب ومرغوب به في الصف وإذا ما غاب يتم السؤال عنه وتتم زيارته تقديم الهدايا له كما أن عمل حفلات ومناسبات تخص الطفل في الصف تشعره ه بان المدرسة أو الروضة بيته الثاني كحفلة العيد الميلاد.
ثالثها(الحاجة إلى احترام الذات والتقدير): من المعروف أن الطفل يفعل الانجاز دائما من اجل أن يحصل على التقدير والتشجيع أو الجائزة فالتشجيع المادي له أهمية كبيرة في بادئ الأمر لأنه لا يدرك إلا المحسوس لينسحب شيئا فشيئا ويحل محله التعزيز المعنوي ي لتنشأ معه (الثقة والطموح والتفاني والتعزيز الداخلي ) والتي قد تمد خيوطها فتشعره انه قادر على الانجاز دائما لذلك وجب علينا أن نحرص على مدح عمله وليس شخصه،وأن احرص على مدح محاولاته جميعها وتوضيح الصح والخطأ منها وكيف نصححها ،نشجعه بالمدح الوصفي ليتعرف على مواطن القوة أكثر من المدح العقيم المتعارف عليه (ممتاز،أحسنت،جيد) والتي لا تنهض بمستوى الطفل شيء.
رابعها(حاجة حب المعرفة): هذه الحاجة التي لا تأتي إلا إذا أشبعت الحاجات السابقة ..فيكون مستعدا لاستقبال المعرفة وتطبيقها والسؤال والحوار والحديث عن انجازاته وربط خبراته بخبرات سابقه..
خامسها (حاجة الجمال والفن): وقد تعتبر هذه الحاجة هي حاجة لا يصل إليها الطفل مبكرا..وقد يتفاوت الاطفال في المدة التي يحتاجها للوصول إليها فهي تحتاج لخبرات كثيرة واحتكاك أكثر..وأهم ما تحتاج إليه ذات مشعة بالجمال وروح تستشفه .. وقد ينعكس اهتمام الأسرة والمعلمة بالجماليات والتنسيق على الطفل فتصقل هذه الذائقة لديه مبكرا ..
سادسها (حاجة تقدير الذات): فنجد أن الطفل يتدرج بعدها لتحقيق طموحه من خلال انجاز ه ويشعر بأنه موجود وفرد مهم وله قدراته (فكل ميسر لما خلق له).
وحتى تلبي المعلمة حاجة التقدير لدى الطفل في المدرسة فأنها أول ما تقوم به هو أن تناديه باسمه كفرد مجيد وتوصمه بصفات مشجعة ومستقبلية بحيث لا تبالغ فيها فيشعر بالإحباط ولا تكون شحيحة فيشعر بالانطواء، كما أن المعلمة حين تجعل لطفل يد مساعدة لها في الصف أو تترك له فرصة القيادة في الصف أو تشجعه على الوقوف أمام زملائه والحديث عن إنجاراته أو يعرض بعض مواهبه ومهاراته لها أهمية كبيرة في تعزيز التقدير الذات لديه.. ولا يغيب عن بال المعلمة في أن تحتفظ بأعماله في ملف خاص به والذي به يستمر تحقيقه لذاته ويعرف الآخرين به فيكون بمثابة مشوار يحرص على إكماله لأخره .
كاتبة المقال مشرفة التعليم قبل المدرسي بمحافظة الشرقية جنوب