إرشاد المتزوجين والمقبلين على الزواج ليس مجرد كمالية، وجودها مثل عدمها، وإنما هي أحد مجالات علم النفس والاجتماع القائمة بذاتها. فهذا النوع من الإرشاد يُساعد الأزواج من مختلف البيئات الاجتماعية والمشارب الثقافية على اكتساب مهارات حل بعض المشكلات التي قد تعترض طريق نجاح زواجهم، أو تهدد دفء عش الزوجية وثباته، ويُعينهم على اتخاذ قرارات مدروسة، وعلى التسلح بالعُدة والمفاتيح اللازمة لاستدامة السعادة الزوجية والتغلب على جميع العقبات، فضلاً عن أنه يؤدي إلى تقوية علاقاتهما وجعل وهج الحب ينبعث من جديد في حال خبا في منتصف الطريق، ويُعينهما على طرد شبح الفتور العاطفي من قلبيهما مهما طال عمر زواجهما.
إرشاد المتزوجين والمقبلين على الزواج ليس أمراً موكولاً إلى كل من يحمل شهادة علم نفس أو علم اجتماع، بل إنه شأن المتخصصين في شؤون الأسرة والزواج المرخصين من جهات معتمدة. وهم عادة ما يكونون من خريجي الجامعات والدراسات العليا. وفي الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، يُشترط في كل من يُمارس مهمة إرشاد المقبلين على الزواج أن يكون معتمداً لدى الجمعية الأميركية للمتزوجين وأرباب الأُسر.
وتُقدم خدمات الإرشاد والاستشارة إلى المتزوجين والمقبلين على الزواج عادة لوقت قصير، وهي تشمل كلا الطرفين وليس الزوج دون الزوجة أو العكس، لكن البعض يُفضلون أن يتلقوا حصصاً مع المرشد أو المعالج على انفراد ودون حضور الطرف الآخر.
دواعي الإرشاد
للإرشاد فوائد عديدة، فهو يُعين الأزواج الجُدُد على بدء حياتهم بشكل سليم وقوي، ويزيدهم وعياً بحقوق وواجبات كل طرف منهما تُجاه الآخر، فيُصبحان أكثر تفهماً لبعضهما البعض، وأقدر على حسن التخطيط للزواج وتحقيق درجة أعلى من التفاهم وتجاوز الخلافات أو الاختلافات في وجهات النظر التي تُعد أمراً طبيعياً يفيد أكثر مما يضر في حال معرفة كيفية استثماره وتسخيره لخدمة بيت الزوجية. أما بالنسبة للذين طال عليهم أمد الزواج، فيُساعدهم الإرشاد على استرجاع الثقة بنفسيهما وببعضهما البعض، وعلى تمتين عُرى حبهما ومنع شمعة الحب المتوهجة في فؤاديهما من الانطفاء.
وفي بعض الأحيان، يلجأ أحد الزوجين أو كلاهما إلى مرشد متخصص لإنقاذ زواجهما من الانهيار ومحاولة تشبيب علاقتهما، أو انتزاعها من وَحَل المشكلات والخلافات المتراكمة قبل أن يصل إلى مرحلة الخطين المتوازيين غير القابلين للالتقاء، فيكون الأوان حينها قد فات، وتُصبح إمكانية العلاج مستعصية أكثر من أي وقت مضى. وينصح خبراء الإرشاد الزوجي والأُسري كل من ينشدون الحصول على مشورات متخصصين بالتركيز على المشكلات التواصلية ومصاعب العلاقة الحميمية الخاصة، والخلافات التي قد تنشأ عن الاختلاف في طريقة تنشئة الأطفال، وعلاج الإدمان في حال وجوده لدى أحد الطرفين أو الأبناء، والمشكلات المالية، والغضب، والخيانة والطلاق. ولا تعني مناقشة مثل هذه القضايا أن المقبل على الزواج يملك نظرة تشاؤمية أو يستجلب الفأل السيئ إلى عش الزوجية الذي ينوي بناءه بمشاركة شريكة حياة من اختياره، وإنما يسمح لكل طرف بالتعرف إلى مقومات نجاح الزواج ليَتَبعها، ومسببات فشل الزواج ليتفاداها. ... باقي المقال