التفكك الأسري ونشوء الأمراض النفسية

شخصيات كثيرة تحب أن تكون محط الأنظار بسلوكيات إيجابية انطلاقا من فكرة تحقيق تقدير الذات التي كثيرا ما تحدث عنها علم النفس؛ فالطالب المتفوق يحصل على تقديره لذاته انطلاقا من إعجاب الناس به بسبب معدله التحصيلي المرتفع، ومدير الشركة الملتزم بأداء عمله يحصل على تقدير ذاته من الموظفين أو مَن حوله في مجال عمله، إذًا فنحن دائما في حاجة ماسة إلى نظرة المحيطين من أجل أن نحصل على تدعيم نفسي إيجابي، ومن هنا وجب دائما أن يكون السلوك التوجيهي من المحيطين يتسم ليس بنوع واحد، بل أنواع من الاحتواء والعاطفة التي تفعل من عملية التوجيه فلم تعد لغة الأمر والنهي مقنعة أو رادعة لسلوك سلبي سواء كان هذا النوع من السلوكيات الأخلاقية أو الدراسية أو الدينية، بل دون الإقناع تظل السلوكيات السلبية تتحرك وتتمركز في منطقة الظل دون أي رقيب، فلو نظرنا إلى الصلاة كمثال فهي ركن أساسي من أركان الإسلام، ولا يمكن لأي سلوك إيجابي أن يكون بديلا للصلاة، ومع ذلك لا يزال هناك البعض ممن لم يستطع أن يلزم أبناءه بأدائها بسبب عدم تعودهم على أدائها منذ الصغر، حيث لا يكلف بعض الآباء أنفسهم بأن يتابعوا أبناءهم أو لا يكلف البعض أنفسهم بأن يشرحوا لأبنائهم الحكمة من الالتزام بالصدق أو الأمانة والنقاط السلبية للابتعاد عن السرقة بلغة إيجابية، حيث يسرق الابن من زميله الجوال فإما أن يسخر منه أبوه ويوبخه ويظل ينتقده على مدى سنوات أو أن يكون مهملا للموقف ابتعادا منه عن الإزعاج وعدم الرغبة في الخوض مع الابن في تفاصيل مملة بالنسبة لذلك الأب، تصرفات متكررة نقوم بها دون أن ندرك مغزاها التربوي، ولكنها تترك آثارا ربما لا يتمناها الوالدان.

ولعل دور بعض الأسر الآن أصبح مغيّبا عن الوعي في مجال الإرشاد والتوجيه للأبناء، وهذا لا يتوقف عند حد حدوث الاضطرابات النفسية والسلوكية المتنوعة والمختلفة، ولكن قد يدخل بعض الأبناء في دوامة المرض النفسي نتيجة شعورهم غير المباشر بالضياع، فهناك من الأبناء يعانون الاكتئاب المزمن والبعض يعاني من القلق، والبعض الآخر من الخوف الشديد، كل تلك الأمراض سببها الفجوة الكبيرة بين الوالدين والأبناء وتعامل الآباء وفق معادلة الأمر والطاعة أو يكون في مقابلها أن يترك للأبناء الحبل على الغارب من منطلق التدليل والحنان وتنمية الاستقلالية، وفي كلتا الحالتين يغيب الدليل التربوي وحتى مع إصابة الابن بالمرض النفسي لا يكتشف إلا في مراحل متقدمة، ربما يفرز مع مراحله الانحرافات الأخلاقية والتي تتزامن مع التفكك الأسري من البداية بين الآباء والأبناء.

Leave a Reply