في علم نفس الجريمة الحديث، هناك اعتراف كامل بأثر التبعيّة على صنع مجرم إرهابي، وتستند هذه الدلالات على الرابط بين الخوف والعدوانية. فمن يعيش في خوف ومنع من تحقيق هدف في الحياة أو ممارسة حق الاختيار، غالباً ما يتحول للعدوانية بعد طول انكسار. وأجمع أساطين علم النفس البشرية على التالي: الخوف المؤدي للعيش في ذعر حتى من الأفكار، قد يؤدي بكثير من الأشخاص إلى انتهاج العنف والإرهاب.
وربما يعجب البعض لو علموا أن من أهم السمات الشخصية للإرهابي هي النرجسية (حب الذات المفرط)، وإلا كيف نفسر قناعته بأنه دائماً على صواب وأن جميع من حوله مخطئون؟ وكيف نفسر أنه قد يجر معه أطفاله إلى ساحة قتال دموي إلا بدافع عشقه لذاته واستعراض بطولاته أمام رفاق الانحراف؟ وكيف نفسر حرص العشرات منهم على الظهور في شبكات التواصل الاجتماعي واستعراض شنائع أفعالهم التي تصل إلى نحر البشر؟ هذا هو حب الذات المفرط الذي يصل بالإنسان إلى الغياب في سعيه لمجد ما كان ليتحقق في ظروف حضارية سويّة. ومن ضمن السمات أيضاً، تفتيش الإرهابي عن هوية مظهرية تحققها له الجماعة، وربما كانت العمائم وطريقة ربطها على الرؤوس دليلا بصريا على حاجة هؤلاء للتميز عن غيرهم، ولتعويض ما فاتهم من الغياب وانعدام التأثير.
ويظل المنهج الفكري هو صاحب العلاقة الأهم بصنع الإرهابي، فبعد انصياع الشاب الكامل للقواعد المشتركة بينه وبين جماعته المتحكّمة في سلوكه (عبودية طوعية)، يغيب عن وعي هذا الشاب، بسبب قصور معرفي، أن الفكر المحرض والمؤدي إلى الإرهاب يشترك دائماً في سمات رئيسية ثلاث: أولاً: وجود منظومة قناعات توجه وتبرر السلوك والأفعال. ثانياً: هذه القناعات لها قدسيتها ولا يمكن التحاور حولها أو مراجعتها. ثالثاً: الأفعال دائماً يجب أن ترتبط بسبب وتخدم هدفاً متفق عليه مهما كان ضرره بالغير.
ويبدي علم النفس الحديث اهتماماً بثقافة المجتمع وأثرها على صنع إرهابيين جدد. فثقافة المجتمعات التي تحتضن قناعات فكرية تتخذ من قدسية الأفكار والأشخاص مبرراً لها ومحدداً للسلوك، هي مجتمعات معرضة أكثر من غيرها لتصدير المزيد من الشخصيات العنيفة والنزّاعة لممارسة العنف وحتى الإرهاب.
اللافت في نتائج أهم الدراسات النفسية الحديثة، هو ما تأكد لعلماء النفس من انتشار فقدان ثقة الإرهابيين برفاقهم. فالكل يبدون ولاء فريداً من نوعه للفكر المنظم لسلوكهم وأفعالهم والقيادات المغذيّة لهذا الفكر، ولكنهم لا يثقون ببعضهم البعض أبداً على مستوى الأفراد! ولهذا تظهر جماعات إرهابية وتختفي أخرى، لأنه من السهل اختراقهم من «القاعدة».