أبوظبي (الاتحاد) - إن الطفرة العلمية الهائلة، والقفزات التقنية المذهلة في كافة قطاعات الحياة جعلت إنسان هذا العصر يعتقد أنه قد تمكن من سبر أغوار العلوم والسيطرة على مقدرات الحياة وأدواتها المختلفة. إلا أن ذلك صاحبه مشاعر وجوانب نفسية سالبة كثيرة لعل من أهمها العزلة، والاغتراب النفسي، والتفكك الأسرى والاجتماعي والانحلال الأخلاقي، فسادت مشاعر القلق والاكتئاب بشكل حاد، وبات إنسان العصر الحديث يعاني من انتشار الأمراض النفسية والعقلية والسيكوسوماتية بشكل لم يسبق له مثيل.
لقد سادت مشاعر الاغتراب لدى إنسان هذا العصر، نتيجة الاختلاف القيمي والابتعاد عن المعايير الاجتماعية، والعقائد الأخلاقية والدينية في عصر سادت فيه معايير النفعية والمادية، فأصبح الإنسان لا يُقَيّم إلا بالمال، ومقدار ما يمتلك منه في كثير من الأحيان.
الدكتور أيمن غريب قطب أستاذ علم النفس المشارك والصحة النفسية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالإحساء، يوضح أسباب هذه الحالة، ويقول:«قلما نجد من يتمسك بجوهر قيمه ودينه والأخلاق الحقيقية، دونما نفع دنيوي أو طمع في حطام دنيوى زائل. لقد أدى هذا إلى سيادة مشاعر عدم الرضا والاغتراب عن الذات وعن الآخرين، وافتقد الإنسان المعنى الحقيقي لحياته والهدف من وجوده فأصبح عبدا لطغيان السلطة والمادة وغيرهما من أعراض الدنيا الزائلة ومغريات هذا العصر. لقد انتشرت مشاعر العزلة والوحدة النفسية والرفض، خاصة لدى قطاعات الشباب، وشاعت أعراض فقدان أو تميع الهوية بأشكالها المختلفة ومنها الهوية الجنسية، فتشبه كلا الجنسين بالآخر، وضاعت في كثير من الأحيان الفروق بينهما رغم أنها عنصر الجذب الحقيقي بينهما».
يضيف الدكتور قطب:» لقد أدت مظاهر التقدم والحضارة المادية الصارخة وغيرها من تبعات الحضارة الغربية الحديثة إلى سلب حرية الإنسان في ظل الأنظمة الصارمة والضغوط الاجتماعية الشديدة والمتصارعة والفروقات الطبقية في كافة الأعراض المادية والاجتماعية مما أدى إلى صراع طبقي حاد بين الأفراد والجماعات. بل حدث هذا بين المجتمعات المختلفة وفقا لنصيبها وإسهاماتها المختلفة في التقدم والحضارة ومدى النفوذ المادي والحضاري والاجتماعي لديها.
وفي ظل هذه الحالة قل الشعور الحقيقي بالتضامن والتساند والتكاتف والتكافل والتعاون والأخذ والعطاء بلا حدود. لقد قل الشعور بالانتماء وظهرت قيم تعدد واختلاط الجنسيات والتجنسات. وساهمت في ذلك عمليات التنشئة الاجتماعية الحالية التي هي في أغلبها نتاج لثقافة المجتمع والتعليم ووسائل الإعلام والإعلان وقل دور الأسرة وأصبح إسهامها ضئيلا هزيلا ولا يؤدي دوره الحقيقي في غالب الأحوال.
يؤكد الدكتور قطب أن الحل يكمن في العودة إلى قيم الإنسان الحقيقية، إلى دينه وأخلاقه، وإلى مقاومة المادية الطاغية في كافة جوانب حياتنا، وإلى التمسك بالقيم الأخلاقية، وتنشئة الأبناء على ذلك والتمسك بها، وعدم الانسياق وراء الحضارة المادية الغربية الطاغية التي أفقدت الإنسان معنى وجوده وإحساسه بذاته وفقدانه لقيمته الحقيقية أو عدم سعيه لتحقيق الهدف الذي خلق من أجله، والتمسك بقيمنا الأصيلة وأخلاقنا النبيلة وأن ننشأ أبناءنا على ذلك».
ويكمل الدكتور قطب:«أعلم أن ذلك أمر صعب في ظل عصر التقدم المادي المذهل والتكنولوجيا التي جعلت من العالم قرية صغيرة وانتشار المظاهر المادية والترف.
إلا أنه ليس هناك حل إلا بهذه الصورة وهى التمسك بقيمنا الأخلاقية وأصولنا الدينية في جوهرها وليس ظاهرها من عبادات وسلوك وأخلاق بكافة السبل والطرق التربوية وعمليات الإعداد والتنشئة الاجتماعية بمؤسساتنا المختلفة».