يعاني الأطفال في العالم وتحديدا وطننا العربي أنواعًا عديدة من القمع في المنزل وبين أحضان الأسرة ،وصنوفا مختلفة من العنف والتحرش في المدرسة والمجتمع . والبداية أساسها البيت حيث العنف الأسري, وفرض الرأي وتحديد المسار .
باختيار المدرسة من الأساس وحتى الثانوية ومرورا بالتخصص في الجامعة ثم نوعية العمل وغير ذلك، نوعية الأصدقاء والمشاركة في تحديد الزوجة المناسبة واسم المولود ,وكيفية تربيته، الأمر الذي يسهم بشكل كبير وفق آراء خبراء في التربية وعلم النفس والمجتمع في تشكيل مستقبل وهمي للطفل يكتنفه الغموض والضبابية ويسهم في اهتزاز شخصيته وتمييع مواقفه, وعدم القدرة على التمييز والاختيار عند المواقف التي تحتاج رأيا واضحا ومسلكا صريحا ,وكل ذلك ينعكس على مستقبله وحياته.مايجعل منه شخصا غير قادر على تحمل المسئوولية الملقاة على عاتقه أيا كانت .
مصر.. اعتداء الوالدين على الصغار يؤدي لآثار نفسية خطيرة
في الوقت الذي تؤكد فيه الدراسات أن العنف المجتمعي والأسري ظاهرة لا تزال تتفاقم وتنمو بشكل مضطرد في المجتمعات العربية، أكدت آخر الإحصاءات التي تم إجراؤها في مصر أن 37 % من الصغار يفيدون بأن آباءهم يضربونهم أو يربطونهم بإحكام، وأن 26 % أبلغوا عن إصابات مثل الكسور، أو فقدان الوعي، أو إعاقة مستديمة نتيجة لذلك.
فيما لم تغفل الدراسات ذاتها العنف المجتمعي الواقع عليهم سواء قي المدرسة والشارع.ولأسباب تتراوح بين حدود خارجة على الإرادة المجتمعية، وحدود تدخلات الدولة وتشريعاتها، تتعدد أشكال العنف الذي يمارس ضد الطفل المصري ضمن إطار الأسرة، حيث يقول الخبير التربوي والتعليمي مجدي قاسم، إن هناك العديد من الأخطاء التي ترتكب في حق الأطفال وتسهم في زيادة أنواع القمع التي تمارسها الأسرة ضد أبنائهم، ومن أمثلة هذه الأخطاء معاقبة الطفل عقابًا عارضًا على سلوك جيد، أو مكافأة السلوك السيئ. أو المقارنة غير العادلة بين الأولاد.
قاسم أكد أيضًا أن الأطفال يتعرّضون لبعض أنواع القمع الأخرى ومنها ما يقوم به الآباء بتسمية أبنائهم ببعض الأسماء غير المناسبة داخل المجتمع، أو تحديد المسار الدراسي له على غير رغبتهم أو إجبارهم على العمل أو الزواج بخلاف ما يريدون ويحلمون به.
ويشير الخبير التربوي إلى أنه من الخطأ إلصاق هذه الأفعال بالأسر الفقيرة أو الطبقات الشعبية فقط؛ لأن الوقائع أثبتت أن مثل هذه الممارسات تتم حتى بين الأسر المثقفة والمتعلمة وغيرها بدون استثناء ما يعكس وجود ثقافة تربوية غير صحيحة بوجه عام.
وحول الآثار النفسية للقمع والعنف الأسري على سلوك الطفل، أكد أستاذ الطب النفسي، د.أحمد شوقي العقباوي، أنها تختلف بين طفل وآخر، وذلك على حسب الطريقة التي يتم فيها تعنيف الطفل والشخص الذي يمارس العنف ضده، فإذا كان أحد الوالدين هو المعتدي على الطفل زادت حدة التأثير النفسي السلبي عكس ما إذا كان المعتدي هو شخص غريب ينتج عنه زيادة الانفعالية للطفل واهتمامه بالعمل العنفي من أجل الدفاع عن نفسه أمام المعتدي.
فيما أكد أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، د.سيد صبحي، أن العنف ضد الطفل يمتد إلى المدرسة، ويتمثل في ارتكاب سلوك إيذائي تجاه الطفل من قبل المدرس أو من الزملاء، ومن مظاهره أو ممارساته: الضرب، التخويف، التحقير من الشأن، نعته بألقاب معينة لها علاقة بالجسم كالطول أو القصر أو غير ذلك وأيضًا السب والشتم.
وأشار إلى أن استخدام المعلمين لأنواع العقاب بصورة مفرطة واستخدامهم للعقاب أمام الطلاب وعدم الاهتمام بحصص النشاطات الأخرى كالرياضية والفنية، وعدم اهتمام المدرسة بدور الأخصائي الاجتماعي، كل ذلك يؤدي إلى بعض الآثار النفسية ومنها زيادة الكذب عند الأطفال للهروب من العقاب، زيادة الخوف، لجوء بعض الأطفال إلى استخدام نفس الأساليب العنيفة في الدفاع عن أنفسهم أو تقاليد المدرس القائم على العملية التعليمية، إضافة إلى تشتيت الذات والانتباه وأمراض الاكتئاب والتبول اللاإرادي.
وحول الآثار النفسية التي تصيب الطفل نظير ارتكاب أعمال عنف ضده سواء داخل الأسرة أو من المجتمع، أشار الاستشاري النفسي د.خليل فاضل، إلى الاكتئاب ولجوء الطفل في بعض الأحيان إلى التفكير في الانتحار هربًا مما يتعرّض له، وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه لشعوره بالضعف، وكذلك الشعور بالوحدة والانعزال..
ويقول: دائمًا ما يفضل الطفل في هذه الأوقات الجلوس في عزله عمن حوله وعدم الاختلاط أو التفاعل مع الآخرين، كما يفتقد الثقة بالنفس وغالبًا ما يكون لذلك بعض التأثيرات المستقبلية عليه، فضلاً على أنه من الممكن أن يحصل تراجع في النمو وفي القدرات المكتسبة التي تدفع الطفل في بعض للأحيان إلى الإصابة بمرض التبول اللاإرادي ومواجهة الصعوبات الاجتماعية في التعامل مع الآخرين.
أما على المستوى التعليمي، فقد أكد فاضل أن نسبة كبيرة من الأطفال الذين يعانون بعض أنواع العنف يمرّون بحالة من التراجع التعليمي والتفكيري وقد يصل إلى الانحراف السلوكي.
بدورها، ترى الخبيرة الاجتماعية د. سامية الساعاتي، أن الحوار مع الأطفال سواء من قبل الأسرة أو المدرسة أو المجتمع هو السبيل الأكثر لوقايتهم من الوقوع في بئر الانحراف والجريمة.
وبسؤالها عما سيترتب على غياب هذا الحوار، أكدت أن الفجوة ستزداد بين هذا الطفل والآخرين الذين سيعتبرهم غرباء عليه، ومن ثم من الممكن أن يلجأ إلى الأصدقاء ومن بينهم بالطبع أصدقاء السوء وسيترتب على ذلك هبوط مستواه في التعليم، ومن الممكن أن يتطور الأمر ليصل بهم إلى الانحراف والجريمة.
أما عضو مجمع البحوث الإسلامية، د.عبدالمعطي بيومي، فأكد، أن القرآن الكريم والسنة النبوية تنهانا تمامًا عن معاملة أطفالنا بأشكال العنف التي تؤثر سلبيًا في مستقبلهم، حيث راعى الإسلام إنسانية كل واحد من أفراد الأسرة دون استثناء، كما أن الإسلام حدّد أخلاقية التعامل بين هؤلاء الأفراد، سواء في إطار نظرة رب البيت إلى من يعول، أو في إطار نظرة هؤلاء الأبناء نحوه.
وطريقة تعاملهم معه، فحاول أن يرسم خطوطًا للتعامل تراعي إنسانية الإنسان فيهم وأخلاقية العلاقة التي تقوم بينهم عاطفيًا وسلوكيًا، من جهة أخرى، ومن أمثلة ذلك نهى رسولنا الكريم إحدى النساء عن وعد طفلها بشيء لا تعطيه إياه؛ لأنها تكون كاذبة وتعلمه الكذب في الوقت ذاته.
البحرين.. انتشار واسع لحالات الاعتداء ومساع للقضاء عليها
تنتشر في مملكة البحرين ظاهرة الاعتداء على الأطفال، تماماً كما هي منتشرة في بعض أقطار الوطن العربي، وهو ما تم ملاحظته، وهناك العديد من الأسباب التي ساعدت على زيادة مثل هذه الحالة. وقد ساعد في انتشارها بتلك الصورة ماتبثه بعض الفضائيات الإباحية ومقاهي الإنترنت والتفسخ الأخلاقي وعدم احترام براءة الأطفال، وقلة الوازع الديني والتفكك الأسري.
واستخدام الهاتف النقال بشكل سيئ، ماجعلها تتفاقم بشكل احتار في أمره علماء النفس ورجال الدين، مادفع الجميع لدراستها دراسة متأنية تبحث في جذورها، سعيا لإيجاد حلول ناجعة لها. وفي البحرين عكف الكثيرون على بحثها بشكل متأن حتى لاتمتد آثارها السلبية إلى الأسرة والمجتمع.
المتخصصة في مجال العنف الأسري الدكتورة بنة بوزبون أشارت إلى أن ظاهرة الاعتداء بالضرب الجسدي والحبس وتشغيل الأطفال في أعمال لا تتفق مع قدراتهم وإهمال تعليمهم ورعايتهم الطبية ونقص الاهتمام العاطفي وسوء المعاملة النفسية، إلى جانب خلافات الوالدين ومشاجراتهما، كلها عوامل تؤثر سلباً على مستقبل الأبناء.
حيث إن انتقال الصراع الزوجي من جيل إلى آخر يفرز آثاراً سالبة عديدة، تتمثل في عدم تعلم الأبناء لمهارات التحدث وسلوكيات التواصل والتفاهم بسبب مشاهدتهم ومراقبتهم لتلك الخلافات التي تحدث بين آبائهم وأمهاتهم، وكيف يتعاملون بعضهم مع بعض بشكل سلبي، بل وتنقل اليهم لتصبح سلوكا راسخا في الأذهان وقابعا في الوجدان، ليتحول الى ممارسة فعلية عند الكبر.
ومن الآثار السلبية أن الأطفال الذين يتعرضون للعنف الشديد غالباً ما ينشأ لديهم استعداد لممارسة العنف ذاته ضد أنفسهم أو ضد الآخرين، أو حتى حدوث حالات انتحار واكتئاب واحباط، أو عدم قدرة على التعامل مع المجتمع بسبب ضعف المهارات الذهنية والاجتماعية والنفسية، نتيجة لتدني مستوى الذكاء، أو فقدان الثقة بالنفس. وبينت بوزبون أن بعض حالات العنف التي تم الكشف عنها في المستشفيات، اشارت الى ان الطفل عندما يأتي من قبل أهله بسبب تعرضه للضرب العنيف يكون في حالة يرثى لها من نزيف حاد وجروح عميقة وانهيار عصبي وحالة هستيرية وبعضهم يصل فاقدا الوعي وغير ذلك.
ولمعالجة ضحايا ذلك العنف ووقفه، ليس كظاهرة من قبل الأسرة فحسب، بل من المدرسة والمجتمع فينبغي العمل على تطوير حالة الثقة بالنفس لدى الطفل وإبعاده عن أجواء العنف والاعتداء لدرجة الايذاء، بل وحتى ابعاده عن الشخص الذي مارس عليه العنف، وإقناعه بأنه لا يتحمل مسؤولية ماطاله من عنف مورس عليه وايذاء تعرض له.
ودعت المتخصصة في هذا المجال إلى ضرورة إبعاد الأطفال عن كل ما يعرض مشاعرهم إلى الخدش والخوف والرعب من سلبيات الظاهرة، والعمل على ممارسة توعية مجتمعية تبدأ من الآباء لحثهم على عدم ترك صغارهم فترات طويلة لوحدهم في غرف مغلقة يمارسون خلالها حياتهم الخاصة بعيدا عن أعين الأسرة، مع ضرورة وضع الكمبيوتر في صالة البيت، ومتابعتهم عند مشاهدتهم للقنوات الفضائية، فضلا عن معرفة نوعية أصدقائهم.
الجزائر.. القمع ولد أجيالاً لا تؤمن إلا بالعنف
تأثرت الأساليب التربوية المنتهجة في المجتمع الجزائري خلال العقود الأخيرة بشدة نتيجة التحولات الاجتماعية خلال العشرين سنة الأخيرة وتخللتها ظاهرة عنف شديدة، وقع الأطفال في الكثير منها ضحايا مباشرين لها، سواء عندما يتعلق الأمر بالشق الأمني مباشرة، أو الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وما خلفته من تدهور مادي للأسر، نتيجة فقدان رب العائلة لمصدر عيشه أو كنتيجة للخروج المكثف للنساء للعمل، وما أنجر عنه من ظهور سلوكيات وأنماط تربوية جديدة للأطفال.
هكذا بدأ رئيس الجمعية الجزائرية لحماية حقوق الطفل، والمختص النفساني البروفسور عبد الرحمان عرعارحديثه حول انتشار ظاهرة العنف ضد الأطفال في بلاده وقال أن العنف الممارس ضد الطفل ومحاولة توجيه ميوله ورغباته والحد من اختياراته في السنوات الاولى من عمره، تولد لديه نزعة نحو الانهزامية في مرحلة أولى، ثم الميل نحو العنف والانحراف في مرحلة ثانية من عمره.
فالعنف بكل أشكاله سواء اللفظي أو الجسدي، بات مهددا رئيسيا ، كما أن التهميش و سوء المعاملة من طرف أولياء الأمور أو المدرسة والمحيط، أصبح سمة بارزة على نطاق واسع بحسب ما خلصت اليه نتائج دراسات محكمة تم القيام بها على مدار الأعوام الأربعة الأخيرة من خلال أخصائيين نفسانيين و اجتماعيين عكفوا على مناقشة القضايا سعيا لإيجاد حلول لها .
والعنف وغياب الحوار داخل الأسرة دفع الصغار الى الهروب من البيت والتسرب المدرسي والفشل التعليمي وتناول المخدرات، في الوسط المدرسي والجامعي، والانغماس في شبكات الجريمة بكل أشكالها .
ويرى أن المجتمع في حاجة ماسة إلى فتح نقاش جاد حول الأساليب والمناهج التربوية المعتمدة بإشراك علماء ومختصين ورجال دين من اجل وقف النزيف الحادث نتيجة الحرب الأهلية التي والتي خلفت جرحا عميقا يصعب التئامه بسهولة. وحالة التحول المجتمعي والمشاكل الحياتية والاقتصادية جعلت آلاف الأسر غير قادرة على توفير الرعاية المناسبة والدقيقة لأبنائها ما جعلهم فريسة سهلة للفشل طيلة حياتهم.
ويشيرالدكتور حساين كردورلي إلى أن التدخل المفرط في توجيه الأولاد وتحديد مسار حياتهم بشكل مبالغ فيه سواء على مستوى العائلة يولد نوعا من الاتكال والانهزامية والخوف من مواجهة الحياة لدى الأطفال بمجرد خروجهم إلى المجتمع.
وأسلوب الحوار معهم يساهم بشكل قوي في بناء شخصية متوازنة لدى الطفل تمكنه من إصدار القرارات السليمة , في المواقف الحرجة التي تواجهه في المراحل المتقدمة من حياته بشكل يعكس مباشرة الأنماط التربوية السليمة الصادرة عن أفراد الأسرة في طفولته وخاصة عندما يكون هناك انسجام بين المتدخلين في عملية التنشأة.
فلسطين.. تعنيف الصغار يخلق شخصيات سلبية مقهورة
يلعب الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية دوراً غير مباشر في العنف الممارس ضد الشعب، فهو يعنف الرجال والنساء والأطفال، وهنا يلجأ الرجال الى تفريغ شحنات ذلك العنف في اطفالهم، وتجاه أسرهم ويضيف الفقر والبطالة والوضع الاقتصادي الصعب والمتردي جداً عوامل عدة تسهم في خلق أجواء من التوتر والعنف لتنعكس على الأطفال والأسرة بكاملها.
عدد من التربويات والناشطات الفلسطينيات أجمعن على أهمية التنشئة الاجتماعية السليمة من أجل ايجاد مجتمع آمن تسوده قيم العدالة والحرية وتتضاءل فيه نسبة العنف الممارس ضد الأطفال والنساء والطبقات المستضعفة اجتماعياً.
مديرة مركز الإرشاد النفسي والاجتماعي في بيت لحم الأخصائية الاجتماعية خولة الأزرق قالت إن شخصية الإنسان تصاغ وتتشكل من خلال عملية التنشئة الاجتماعية والرسائل التي يتلقاها الولد أو البنت عن نفسه من قبل الأهل والمدرسة تؤثر بدورها على تفكيره وبنية حياته ورؤيته لنفسه في المستقبل.
فإذا كانت التجربة عنيفة ومريرة فيترك ذلك أثراً ويخلف اشكالات نفسية تفرز شخصية سلبية في سن المراهقة وما بعدها، خاصة اذا تواصلت حلقة العنف من البيت وانتقلت الى المدرسة والمؤسسات التعليمية الأخرى والمجتمع. والشخص المعنف تصبح رؤيته لذاته مهزوزة وسلبية ويكون عاجزاً وغير قادر على اتخاذ القرارات التي تحدد مستقبله وتقرر مصيره.
والمطلوب عملية مجتمعية كاملة وواضحة، وذلك بالطبع يحتاج الى وقت طويل وليس لورش عمل ولقاءات فقط، والهدف من ذلك خلق وعي عند الأهل والجهاز التربوي التعليمي من أجل توضيح تبعات استخدام العنف ضد الأطفال وقمعهم، وعدم منحهم فرصة التعبير عن انفسهم، ويجب تفعيل قانون منع استخدام العنف ضد الأطفال في المدارس الذي لا يزال حبراً على ورق.
وقالت الناشطة النسوية والتربوية ومنسقة برنامج التمكين في جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية سمر هواش ان العنف ضد الأطفال وسلبهم لإرادتهم منذ الصغر، يقعان ضمن دائرة العنف المتزايد، فالأطفال يتعرضون للعنف الجسدي والنفسي والجنسي أحياناً، والسبب ربما يكون ان بعض الأسر والعائلات أصبح لديها الوعي الكافي والقدرة على الحديث عن تلك القضايا التي كان مسكوتاً عنها، أو تناولها بشكل مباشر في المدرسة والأسرة والمجتمع، لذلك يتم تناول الأمور بكل وضوح وصراحة.
وأشارت إلى أن الثقافة المجتمعية السائدة لا تزال تلعب دوراً رئيسياً في استخدام العنف وتعتبر إحدى آليات التربية بمعنى أنه كلما كان الطفل مطيعاً ولا يناقش ولا يستفسر، فذلك أفضل حتى لو تعرض للعنف وأصبح ذلك نهجاً يومياً يمارس بحقه من قبل والديه، فالطفل المتسامح ينظر اليه مجتمعياً كشخصية ضعيفة، وهنا لا بد من العمل على تجريم العنف الممارس ضده أو أي شخص آخر.
ثقافة العشيرة
مديرة مركز الاستشارات القانونية في غزة المحامية زينب الغنيمي أشارت إلى ان المجتمعات العربية عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة لا تزال متعلقة ببنية وعقلية العشيرة والقرية والعادات والتقاليد التي تعطي للأب أو الجد، صلاحية تقرير مصير ما يحتاجه الأطفال في حياتهم ورغباتهم دون أخذ رأيهم، فانعكس ذلك على طريقة تربيتهم للأطفال، ففي البيت يصادر حق الطفل في اختيار قراراته وإرادته وحتى ما يريد أن يأكل أو يلبس، وتصادر حقه في تقرير مصير حياته في المجالات كافة.
فثقافة العيب والممنوع والمسموح السائدة في مجتمعاتنا مع وضع حدود للطفل لتصرفاته مع أهله والحد من طموحاته وآماله، تجعله يصبح مهزوماً نفسياً في مجتمعه، ولا يتمتع بشخصية قيادية لأنه مقيد وغير قادر على اتخاذ أي قرار، وتلك المنظومة المجتمعية يتم تطبيقها في المؤسسات الأسرية والتربوية كافة التي تصادر حرية الرأي والتعبير وحق اختيار الأبناء حتى لأبسط الأشياء.
العراق.. جيل جديد مشوّه يحكمه الاضطراب
يعاني أطفال العراق من الشدة والقهر، والعنف البدني والنفسي، ربما أضعاف ما يعانيه الكبار، من آباء وأمهات وإخوة، وتنعكس ظروفهم المؤلمة، داخل بيوتهم بسبب مرارة العيش وقسوة الحياة.وربما يكون اقسى ما يواجهه الطفل،مرارة العيش دون والد أوالوالدين معا، للقتل الجماعي الذي يسود المجتمع، وحالات الاعتقال العشوائية والتهجير والتنكيل في أرجاء البلاد منذ أكثر من تسع سنوات.
وتشير الإحصائيات الدولية إلى وجود أكثر من أربعة ملايين طفل يتيم في العراق،ورقم مواز من الأرامل والثكالى.ومثلما ينعكس القهر الأبوي على الأبناء،فهناك ثلة من الأثرياء الجدد لا يعرفون ما يفعله أبناؤهم، بتقليدهم لما يرونه في الأفلام والمسلسلات المدبلجة، و "اللهو البذخي"، تعويضا عن حرمان عانوه، وربما لا تقل مشكلة هؤلاء، عن مشكلة أقرانهم "البؤساء"،
ووالغريب في الأمر فقدان أخلاقيات العملية التربوية بالمدارس اذ يستقطع مدراؤها نصف رواتب المعلمين المتغيبين مقابل تغاضيهم عن التغيب، وعدم وجود مناهج تدريسية واضحة وثابتة.
يقول طالب السعدي أستاذ اللغة العربية في مدرسة المعتصم بمنطقة المثنى في بغداد، إن طلبة الصفوف المنتهية بالمتوسطة، فوجئوا بأسئلة امتحان العربية، التي وردت من مناهج لم يدرسوها، ولم يعلموا، كما لم يعلم أساتذتهم، بتغيير المناهج لان الكتب التي وزعت ، تعنى بالمناهج السابقة.
الواقع التراجيدي عن الطفولة في العراق، ليس سوى إشارات لواقع أكثر مرارة، وتقول منظمة الأمومة والطفولة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسيف) إن ملايين الأطفال العراقيين يعانون من العنف وسوء التغذية واضطراب التعليم وهم نصف عدد الملايين الأربعة ممن اضطروا إلى النزوح عن ديارهم.
وحسب الباحث والكاتب رضا الظاهر: "وسط المعاناة المروعة لأطفال بلادنا، لم يعد غريباً أن تحذّر المنظمة من أن أطفال العراق باتوا في قلب مأساة إنسانية، وتؤكد أن وضعهم الحالي وصل بالفعل إلى /مستوى الأزمة/، حيث نجد جيلاً جديداً مشوهاً يحكمه الاضطراب".
فعلى الصعيد الصحي بوسع المرء أن يشير، من بين مصائب أخرى، إلى سوء التغذية، حيث تضاعفت نسبة الأطفال دون سن الخامسة ممن يعانون من سوء التغذية منذ الاحتلال، من أربعة إلى ثمانية في المائة، ويعاني واحد من بين كل ثلاثة أطفال من سوء التغذية المزمن في الأسر التي انعدم أمنها الغذائي، وهو ما يمكن أن يؤدي، من بين مخاطر أخرى، إلى إعاقة النمو العقلي السليم للطفل.
وعلى الصعيد الاجتماعي يمكن القول أن الأطفال يتعرضون إلى مخاطر جراء اضطرارهم إلى العمل في مهن شاقة، وعلى نحو يتعارض مع حقوقهم الأساسية، ولا يندر أن نجد من الأطفال من يعاني من الإدمان على المخدرات، ويتعرض إلى الاعتداء والاغتصاب الجنسي، وينام على الأرصفة، ويأكل من النفايات، ويعيش في خرائب حتى في قلب "عاصمة الرشيد"، ويُستغَل من قبل عصابات إجرامية لتنفيذ مهمات بشعة مختلفة.
أما في إطار مشكلة التسرب من المدارس فتكفي الإشارة إلى أن 25 في المائة من الطلاب دون سن الخامسة عشرة ممن يعيشون ضمن أسر فقيرة في الريف، قد تسربوا من المدارس، حيث يترك أطفال الدراسة ليذهبوا مع عوائلهم الهاربة من تهديدات، بينما يتم تسريب آخرين قسراً خشية من عصابات الخطف والمساومة بفدية قد تُدفَع دون أن يعود الأطفال إلى أهلهم، وترك آخرون مدارسهم التي تحولت إلى مواقع للعنف، بينما يهجر آخرون طفولتهم لأن آباءهم قُتِلوا.. هذا ناهيكم عن الأطفال الذين هجِّرت عوائلهم داخل وخارج البلاد وظل كثير منهم محرومين من الدراسة.
وتشير دراسات إلى أن 40 في المائة من المصابين جراء حوادث العنف في العراق هم من الأطفال الذين يعرضهم وجودهم شبه الدائم في الشوارع إلى مخاطر الموت.
ومع هذه المعاناة تقف حكومة "الشراكة الوطنية" عاجزة عن إنقاذ الطفولة، ويستمر "السياسيون" في صراعهم على الامتيازات، فيما لم يستطع "نواب الشعب" إنقاذ أطفال العراق من معاناتهم المروعة، لأنهم منشغلون، كما هو حالهم دائماً، بقضايا "أعظم".
ويتساءل الباحث رضا الظاهر، هل هناك من هو أكثر بؤساً ومعاناة من أطفال العراق؟ وهل من مجيب على سؤال ملايين المحرومين: أيواجه أطفال المسؤولين السياسيين والبرلمانيين وغيرهم من "المرفهين" مثل هذه المعاناة؟، ألا يشعر نواب الشعب والمدافعون عن حقوق الإنسان، وممثلو مجتمع مدني، بالحرج، عن انتهاك حقوق الطفل.