خالد أبو بكر
«المصريون يصوتون فى الانتخابات البرلمانية بعواطفهم.. وانحياز الإعلام ضد الإخوان والسلفيين جعل المصريين يصوتون لمصلحتهما بشكل أكثر من الطبيعى.. عمرو موسى أكثر المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية نجاحا فى الوصول إلى المصريين.. وأكثرهم عزفا على الأوتار التى تطرب الشخصية المصرية».. هذه خلاصة وجهة نظر الإخصائى فى علم النفس السلوكى، أحمد الأعور، فى حديث مع «الشروق» أكد خلاله على أن جملة ما سيرد فيه مجرد «رأى تحليلى من وجهة نظر علم النفس.. والعلوم الإنسانية نسبية بطبيعة الحال».
المرشحون للرئاسة وتحليل سلوكهم منذ ظهورهم على المسرح السياسى المصرى وتعاطى المصريين معهم كانت النقطة التى فضل الأعور الانطلاق منها، فقال إن «مشهد المرشحين المحتملين سينتهى بانحسار الصراع على 5 مرشحين هم: عمرو موسى، ود. محمد سليم العوا.. ود. محمد البرادعى ود. عبد المنعم أبو الفتوح.. ود. حازم صلاح أبو إسماعيل.. أما بقية من أعلنوا نيتهم الترشح فهم خارج السياق الانتخابى لقلة حضورهم فى الساحة من دون ضرب أمثلة لهؤلاء».
لماذا هؤلاء المرشحون الخمسة دون غيرهم قال الأعور «لأن لهم صدى.. ولأن الناس ترى أنهم الأقدر على ملء كرسى الرئاسة الشاغر منذ رحيل مبارك بشكل أو بآخر.. وإن كان يرى أن المرحلة المقبلة ستسفر عن صراع بين نوعين من المرشحين الأول يمثله عمرو موسى وأحمد شفيق لو ترشح فعلا.. والثانى يمثله عبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا.. وسيجد البرادعى وحازم صلاح أبو إسماعيل خارج السباق.. لأن البرادعى محسوب على التيار الليبرالى الفج من وجهة نظر الناس ونجحت «الميديا» فى تصويره بأنه رجل قريب من الغرب ــ بغض النظر عن صحة أو خطأ هذا الكلام ــ أما بالنسبة لأبو إسماعيل فهو محسوب على التيار المتشدد نسبيا ــ بغض النظر عن صحة أو خطأ هذا التصور ــ وكلا النموذجين لا يتناسب مع الشخصية المصرية أو المزاج المصرى».
وأشار الأعور ــ الذى درس علم النفس فى جامعة كولومبيا الأمريكية ــ فى معرض تحليله للكيفية التى سيحدد المواطن المصرى قرار تصويته لمرشح دون الآخر إلا أن مستويات التقييم لدى العقل الباطن عند الإنسان لها 6 مستويات، المستوى الأول ويسمى «التقييم الحسى التحليلى»، وهو تقييم مبنى على معلومات وبيانات كافية ودقيقة عن المرشح، ومبنى على موضوعية شديدة، وهذا المستوى غير موجود فى الشعب المصرى إلا فى حدود ضيقة جدا، تكاد تقتصر على النخبة.
والمستوى الثانى من التقييم ــ بحسب الأعور ــ يعرف بـ«التقييم الحذر الاحترازى»، أى الذى ينظر إلى عيوب المرشحين.. فإذا تحدث عن البرادعى يقول «رجل غربى الثقافة»، وحين يتحدث عن حمدين صباحى يقول «قد يطفش رأس المال».. وإذا تحدث عن العوا يقول «رجل مفكر لا شأن له بإدارة الدولة»، وهكذا، وعكس هذا النوع من التقييم «التفكير التفاؤلى»، الذى يركز على ايجابيات كل مرشح والاختيار بناء على هذه الايجابيات.
وأضاف إخصائى علم النفس السلوكى بأن المستوى الرابع من التقييم هو «التقييم العملى»، الذى يرى البرامج ويحسم أمره لمصلحة مرشح بعينه من خلال قراءة متأنية لهذا البرنامج، أما المستوى الخامس من التقييم للمرشحين فى العقل الباطن هو التقييم القائم على «التفكير الخيالى الإبداعى»، وهو أن يتخيل الناخب كل مرشح بعد فوزه فى الانتخابات وماذا سيصنع بعد فوزه.
أما آخر مستوى لتقييم المرشحين ــ بحسب الأعور ــ هو الذى يقيم غالبية المصريين بمقتضاه المرشحين وهو تقييم قائم على «التفكير الحدسى (العاطفى).. ويعنى أن يكون الناخب رأيه فى المرشحين من مجرد انطباعات.. غير قائمة على أدلة ملموسة.. لكنها قادمة من مجموع خبرة متراكمة فى اللاوعى.. هذه الخبرة مستمدة من النظام العقائدى للفرد (دستور اللاوعى)، الجزء الثانى مرتبط بالنظام القيمى للإنسان».
وأوضح الأعور أن النظام القيمى للإنسان المصرى يتكون من مجموعة من القيم (الأمن والاستقرار ــ الحرية ــ الراحة والمرح ــ التواصل والود) وهذه القيم يختلف ترتيبها من وقت لآخر، ومن شريحة عمرية لأخرى، فمعظم المصريين من كبار السن مع «الأمن والاستقرار» أولا، ومعظم الشباب مع «الحرية» أولا، وأثناء الثورة كان معظم الشعب مع «الحرية أولا» أما بعد تنحى مبارك عاد الشعب للبحث عن «الأمن والاستقرار».
وشدد الأعور على انه انطلاقا من أن معظم المصريين يعتمدون فى تقييم المرشحين على «التقييم الحدثى العاطفى» فإنهم مادة خصبة للدعاية الانتخابية حتى قبل وصولهم لصناديق الاقتراع بساعات، باستثناء أنصار أبو إسماعيل وأنصار البرادعى، الذين لديهم إيمان عميق بمرشحيهما لاعتبارات أيديولوجية، وهنا نقول إن تأثير الدعاية السوداء للمرشحين مثل نشر الفضائح على الخصوم سيكون له تأثير كبير على مزاج الناخبين المصريين فى انتخابات الرئاسة.
ونصح إخصائى علم النفس السلوكى المرشحين المحتملين للرئاسة بـ«الاهتمام بما يعرف بـ (الانطباع غير المقصود) الذى يتركه كل واحد منهم لدى المصريين من خلال تصرفاته.. ففى الانتخابات الرئاسة الأمريكية أوباما نجح فى أن يترك لدى الناخبين انطباعا مؤداه أنه رجل المرحلة المقبلة والرجل الذى سيقود التغيير».
وأشار إلى أن «كل المرشحين غير ناجحين فى ترك انطباعات إيجابية لدى المرشحين المصريين بقدر نجاح عمرو موسى.. هو يعطى انطباعا دائما بأنه قادر على الإمساك بمقاليد الأمور.. وذلك لأن موسى يتمتع بذكاء اجتماعى كبير جدا.. لديه كاميرا مراقبة ذاتية.. تولدت لديه من خلال مشاهدته لنفسه عشرات المرات فى مواقف مختلفة، باعتبار أنه شخصية عامة منذ سنوات عديدة.. ولذلك فهو لديه قدر كبير من المعلومات الصحيحة عن نفسه».
ولفت إلى أن الرئيس جمال عبد الناصر هو أفضل من عرف كيف يخاطب الشخصية المصرية.. لذلك هو فى قلوب المصريين حتى اليوم.. الرجل عرف أن المصريين طوال تاريخهم عاشوا فى احتلال وخضوع فحدثهم عن الكرامة فالتفوا حوله.
وحول أداء المرشحين والأحزاب السياسية فى الانتخابات البرلمانية قال الأعور «لدينا أولا فقر فى النضج السياسى وغياب المؤسسية بشكل عام لدى المرشحين والأحزاب السياسية، بما فيهم حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فكل الأحزاب التى تصارعت فى العملية الانتخابية مؤسسات جديدة.. لم تخلق لها شخصية بعد.. فيما بينهم يتساءلون من نحن؟ هويتهم لم تتشكل بعد»؟
وأشار إلى أن «المادة الخام الخاصة بالليبرالية التى تتناسب مع المجتمع المصرى وعاداته وتقاليده لم تتكون بعد.. وفى اعتقادى أن ليبرالية مصرية تضع فى اعتبارها تقاليد وأعراف هذا المجتمع ستتكون فى غضون السنوات الخمس المقبلة».
ورأى أن قطاعات واسعة من المصريين صوتت بموجب «التفكير الحدثى العاطفى..الناس كانت تعانى فى عهد النظام السابق من شيئين.. ظلم شديد من النظام السابق، مع انحلال أخلاقى شديد، وأعنى هنا بالانحلال انتشار الغش وغياب الأخلاق، ناهيك عن الأفلام التى تثير الغرائز، التى يذهب إليها بعض الناس لمشاهدتها لكن الغالبية ترفضها».
وأوضح الأعور بأن الشعب رأى أن «القادر على حل هاتين المشكلتين من لديه خطاب دينى.. وبالتالى صوت الناس لمن رأوا أنهم قادرون على حل هاتين المشكلتين، وهم من يحملون خطابا دينيا ممثلون فى الإخوان والسلفيين.. بالإضافة إلى أن الإخوان ــ سواء اتفقت معهم أو اختلفت ــ ليس بينهم فاسدون، حتى الآن على الأقل، بغض النظر عن الكفاءة».
ونوه إلى أن الهجوم الإعلامى على الإخوان والسلفيين جعل المصريين يصوتون لمصلحتهما بشكل أكثر من الطبيعى، ولو أن الخطاب الإعلامى كان متوازنا كانت النتائج ستأتى غير ذلك.
فى حال عدم نجاح الإخوان فى إشباع توقعات الناس الذين منحوهم ثقتهم قال الأعور «من الظلم أن نحاسب الإخوان وحدهم على هذا الفشل.. بل يجب أن نحاسب البرلمان كله والحكومة والرئيس القادم والجيش، الذى سيظل يلعب دورا خلال السنوات المقبلة».
واعتبر الأعور الشعب المصرى لم يقم بثورة.. بل فيه كتلة متحركة من الشعب أطلقت شرارة فى الوعى السياسى، علما بأن هذا الوعى له مراتب ودرجات تتفاوت بين (مغيب ــ مشاهد ــ مراقب ــ مشارك ــ فعال ــ ملهم)، وقبل الثورة كان معظم المصريين فى خانة (المغيب) وبعد الثورة زادت نسبة (المشاهد ــ المراقب) كما زادت نسبة (الفعال ــ الملهم) وهم الأقلية.
لكن بشكل عام ــ يقول الأعور: «الثورة لم تكتمل بعد.. لأن معظم الشعب لم يكسر حاجز الخوف بعد.. اكتمال الثورة يحتاج أثمانا فادحة والشعب ليست لديه القدرة على دفع ثمن إكمال الثورة.. وما حدث فى الـ18 يوما لحظة رومانسية جميلة، كانت تحتاج البناء عليها، وفيها كان الشعب المصرى مثاليا، فرغم الانفلات الأمنى لم يهجم الفقراء على الأغنياء رغم تماس الأحياء الفقيرة مع الغنية نموذج (بولاق والمهندسين)، وذلك على عكس ما شاهدناه فى نيويورك عندما انقطع التيار الكهربائى وهجم الناس على المتاجر بمن فيهم الأغنياء، وما حدث فى لندن، الإنسان المصرى ليس طماعا.. فيه مصريون بخلاء لكن الكرم أغلب والقناعة هى السائدة.